الفراغ الرئاسي لا يعني فراغاً دستورياً
فترة سماح دولية لحراك لبناني.. قبل 25 أيار؟
بعدما انتهجت عواصم القرار الدولي خيارات جديدة في التعاطي مع الواقع اللبناني، عبر الإقلاع عن سياسة «غلق الأبواب والعداء المستحكم» مع فرقاء محددين، وسلوك طريق الانفتاح والتقرب تحت ضغط المصالح المتأتية من واقع قرب بدء استثمار الثروة النفطية والغازية، تشجّعت قوى لبنانية على الاندفاع باتجاه حكومات هذه الدول على ابواب استحقاقات مهمة وفي مقدمها الاستحقاق الرئاسي.
ولأن رئيس «تكتل التغيير والاصلاح» العماد ميشال عون الذي كان يوصف حتى الأمس القريب بأنه «مرتكب خطيئة التفاهم مع حزب الله» ورفع في وجهه «الحرم المانع من وصوله الى سدة الرئاسة»، لم يعد يزعج الاميركيين الذين يحبّذون «الوئام» على قاعدة «التقرب من عون ومن حزب الله»، كل ذلك جعل هامش الحراك المفتوح رئاسيا يتسع في الدائرة العونية الى ابعد الحدود لعل الظروف تؤمن «اقتناص الفرصة السانحة نسبيا قبل ان تذهب الى غير رجعة».
هذه الاجواء دفعت بالمعنيين بالاستحقاق الرئاسي، وتحديدا الطامحين، الى تعديل في الخطاب السياسي والسعي الى الانفتاح في كل الاتجاهات، مما اسبغ حالة من الهدوء وانعدام المواقف المتوترة، الأمر الذي دفع مرجعاً وطنياً الى التمني «لو أن السياسيين يعتادون على الخطاب الهادئ مع أو بدون استحقاق رئاسي»، إلا أنه يستدرك ليقول «للأسف الطبع يغلب التطبع».
من الطبيعي أن تؤدي دعوة الرئيس نبيه بري إلى جلسة 23 نيسان إلى وضع البلد في جو مختلف. في حين أن وجود حكومة تتمتع بكل الشروط والمواصفات الدستورية تدفع الرئيس تمام سلام الى تعمّده التأكيد المتكرر بأن هذه الحكومة لم تأت لتحل محل رئيس الجمهورية، إلا أن ذلك لم يمنع حصول مقارنة بين فراغ رئاسي وفراغ دستوري، على اعتبار أن الفراغ الرئاسي لا يعني حصول فراغ دستوري مع وجود الحكومة. «علماً أن الافضل ان لا يكون هناك فراغ دستوري ولا رئاسي، كما من المفيد ان تكمل الحكومة بزخمها وبقراراتها التي تتخذها لأن عملها جيد في هذا الوقت بالذات»، على حدّ تعبير أحد المتابعين للشأن الرئاسي.
تجمع معظم المعطيات على أن الاستحقاق الرئاسي ما زال حتى اليوم «في الدائرة اللبنانية»، وهناك من يقول أن الخارج أعطى اللبنانيين مساحة زمنية تمتد الى 20 ايار المقبل لكي ينجزوا هذا الاستحقاق وفق مقولة وجوب أن يكون «صناعة لبنانية» وليس الى ما بعد 25 ايار وهو تاريخ الدخول في الفراغ الرئاسي، وهناك من يقول إن الخارج سينتظر الى ما بعد 25 أيار بحيث يتدخل بدءا من 26 ايار تحت ضغط الفراغ، وفي ظل هذا المسار هناك نظريتان في مقاربة الاستحقاق لبنانياً:
1 ـ الاتفاق على شخص رئيس الجمهورية المقبل ومن ثم الذهاب الى مجلس النواب لانتخابه، اي ربط الدعوة بالاتفاق المسبق.
2 ـ في ظل وجود ضغط مسيحي، وتحديدا من المرجعية الدينية المارونية الرافضة بالمطلق للفراغ في سدة الرئاسة الاولى، هناك من يقول: جرّبوا حظكم عبر الدعوة الى جلسة انتخاب من دون اتفاق مسبق، ليبنى على نتيجتها الخطوة اللاحقة في حال تعذر حصول أي من المرشحين على 86 صوتا.
وللتأكيد على هذا السيناريو، فإن هناك من يذكّر بما حصل ابان تأليف الحكومة الحالية التي استهلكت عشرة اشهر وتسعة ايام حتى تبين بأن هناك مأزقاً وتدخل الخارج، والبيان الوزاري استهلك ثلاثة اسابيع وقبل انتهاء مدة الاسقاط المحددة بشهر تدخل الخارج ايضا. الآن اللبنانيين يجتهدون رئاسيا ومتى تبين أن النموذج الديموقراطي اللبناني تعثّر وبدأ يهدد الاستقرار، حينها سيطرق الخارج الباب ويتقدم للمساعدة، خصوصا أن بعض الإشارات توحي بأن هناك أطرافاً لا يرون مشكلة بحلول تاريخ 25 ايار من دون انتخاب رئيس جديد.
اما على صعيد حراك البعثات الديبلوماسية المعتمدة لدى لبنان، فإن السفراء ما زالوا في مرحلة الاستماع والاستطلاع ولا يتكلمون بالخيارات لجهة الاسماء، ولكن الانطباع الذي يتولد خلال لقائهم أنهم يفضلون حلّ ملف الاستحقاق الرئاسي قبل 20 ايار، في حين ألمح أحد السفراء إلى أن أي حراك دولي سينتظر الى 25 ايار.
أما في المراجعة التاريخية للنماذج، فإن أحد المتابعين للملف الرئاسي يستشهد بما حصل في العام 1988 عندما اطلق المبعوث الاميركي ريتشارد مورفي مقولته الشهيرة «مخايل الضاهر أو الفوضى»، الا أن المسيحيين قاوموا هذا الطرح. اليوم، يقول المصدر، «يكفي أن يرفض أحد الأقطاب الاستماع لأحد في الخارج بإمكانية البحث عن شخصية توافقية، حتى ندخل في الفراغ، وقدرة السفراء على اقناع الأفرقاء الداخليين تكبر عندما يصبح هؤلاء بحاجة الى المساعدة الخارجية، وطالما ان الطرف الداخلي يرى أنه قادر على المناورة والفرض فالأمور ستبقى محصورة لبنانيا».
وعن موقف الكرسي الرسولي يشير المصدر الى أن «موقف الفاتيكان لم يتغير لجهة إجراء الاستحقاق الرئاسي في موعده من دون الدخول في مبادرات ولا أسماء، وكل الوفود الفاتيكانية التي تحضر الى لبنان للمشاركة في مناسبات دينية أو أكاديمية تغادر من دون أن تتحدث بالموضوع الرئاسي ولا تلتقي مع سياسيين، واستطيع التأكيد أن كل ما يقال عن دخول الفاتيكان على خط الاستحقاق الرئاسي ليس صحيحا، والسؤال الذي يفرض نفسه هو انه اذا تدخل الفاتيكان لصالح مرشح توافقي، هل يوافق الاقطاب المرشحين؟ لذلك اي طرح لمرشح بديل راهنا تحت عنوان التوافق يعني ان هناك من ستقوم قيامته».
لذلك، يلفت المصدر الى أنه «من الصعب أن يتدخل أحد اليوم للدفع باتجاه خيار رئاسي محدد، لأن هناك لعبة رئاسية تدور وستأخذ مداها، ولا يمكن التدخل الا اذا وصلنا الى الفراغ او صرنا على تخومه. لذلك العمل الخارجي محصور حالياً ببعده الاستطلاعي».