التمديد يسقط و”السفراء” بلا تعليمات.. والفراغ حتمي
“فخامة الرئيس” غداً.. بالاستقرار أم الفوضى؟
كتب المحرر السياسي:
مرّ الخامس عشر من أيار، وسيمر الخامس والعشرون منه، ولن يجد اللبنانيون رئيسا يعلقون صورته في مكاتبهم الرسمية، رئيسا يحفظ ما تبقى في جمهورية القلق المقيمة عند كل فوالق الأزمات الإقليمية.
يوم السبت في الرابع والعشرين من أيار الجاري يلقي الرئيس ميشال سليمان خطاب الوداع، ومن ثم يغادر القصر الجمهوري في بعبدا إلى منزله العائلي في عمشيت أو قصره السياسي الجديد في اليرزة بعدما سبقته زوجته إليه.
بعد منتصف ليل الرابع والعشرين من أيار، يحمل ميشال سليمان لقب الرئيس السابق، من دون أن تغادره أمنية محاولة بناء زعامة سياسية مارونية سيكتشف سريعا أنها مستحيلة، عندما يجد “وزراءه” وقد توزعوا تبعا للولاءات الطائفية ـ السياسية!
ويسجل للتاريخ أن الرجل تصالح مع نفسه في الأسابيع الأخيرة، باقتناعه باستحالة تمديد ولايته، ولو أن بعض المقربين منه، خصوصا من مستشاريه، أو الغيارى عليه، وخصوصا بكركي، قد جربوا حتى اللحظة الأخيرة أن يمددوا له، لكن الوقائع السياسية من جهة والمجريات الدستورية من جهة ثانية، جعلت التمديد صعب المنال.
ربما، وللمرة الأولى، منذ وصوله الى لبنان، يعطي سفير الولايات المتحدة ديفيد هيل اشارة واضحة بعدم ممانعته للتمديد كمخرج ما زال ممكنا شرط أن ينضم إليه العماد ميشال عون، اضافة الى “14 آذار” والفريق الوسطي والرئيس نبيه بري، غير أن “الجنرال” وضع “فيتو” نهائيا على رفيقه في السلك العسكري السابق، ليفرض على “حزب الله” أن يبقى في أعلى شجرة الاعتراض على التمديد، وهو الأكثر “براغماتية” في تدبير الأمور.. لو أن “الجنرال” قرر تدوير الزوايا في لحظة ما.
نعم صار التمديد صعبا ليس على قاعدة أنه يحتاج الى الثلثين من أصوات النواب، فإن اجتمعوا فليكن من أجل رئيس جديد وليس من أجل تمديد. صار التمديد عنوانا سياسيا، وبرغم ذلك، كان توفير الثلثين له أهون من الثلثين المستحيلين لرئيس جديد.. لن يأتي في ظل موازين القوى اللبنانية والخارجية…
كان أقصى طموح سعاة التمديد من واشنطن الى الرياض مرورا بباريس، وبتشجيع من دوائر لبنانية أبرزها بكركي و”تيار المستقبل”، أن يكسب ميشال سليمان سنة جديدة فقط، يتمدد معها تلقائيا عمر حكومة تمام سلام، من دون الحاجة الى اعادة تكليف وتأليف، طالما أننا لسنا أمام انتخاب رئيس جديد.
حتى هذه الفرصة بعنوان “رئيس جمهورية تصريف الأعمال” لم يكتب لها النجاح، برغم اصرار البطريرك الماروني بشارة الراعي على سلوك درب تعديل المادة 62 من الدستور التي تقول إنه “في حال خلو سدة الرئاسة لأي علة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء”، بحيث يأتي التعديل ضامنا لأن “يستمر الرئيس في موقعه الى حين انتخاب خلف له”.
سقط التمديد، برغم أن البعض ما يزال يراهن عليه حتى آخر لحظة من ولاية الرئيس، أو ربما حتى اليوم التالي، والسبب أن السفراء الذين لم يمانعوا بلوغ هذا الخيار، لم يجربوا أن يتقدموا خطوة واحدة في السياسة نحوه، إما لأن أية تعليمات لم تصلهم من دولهم وإما لأنهم قرعوا بعض الأبواب، كما فعل الفرنسيون في طهران، فجاءتهم الأجوبة سلبية.
بهذا المعنى، فان الاحد 25 ايار 2014، هو يوم جديد من عمر الجمهورية اللبنانية، تنطوي معه كل مفاعيل تسوية الدوحة التي جاءت بميشال سليمان رئيسا قبل ست سنوات خلت، ومع انتهاء هذا النهار، تنطوي للمرة الأولى فكرة ربما كانت مقنعة اكثر من أي مرة، أقله لبنانيا، في اتجاه تمديد الولاية الرئاسية تحصينا للاستقرار ومنعا لأية فوضى دستورية وسياسية محتملة.
أما بعد،
أهلا وسهلا بفخامة الفراغ يحتل قصر بعبدا. كيف لا، و”فخامة الحكومة” مجتمعة، ستتربع على عرش الرئاسة الأولى، وتناط بها مجتمعة صلاحيات رئيس الجمهورية، الى أن يتوصل “الطباخون” الاقليميون والدوليون الى كلمة السر، فيبعثون بها بواسطة “الرسائل القصيرة” الى “نواب الأمة” فيضعون في مغلفاتهم اسم الرئيس المحظوظ، ولو كانوا في أغلبيتهم لا يعرفونه.. وحتى ذلك الحين فإن منطق الامور يقول: إلى الفراغ الرئاسي الحتمي دُرْ!
امس الخميس، كان اليوم العاشر السابق لموعد انتهاء الولاية الرئاسية، وفيه سجلت الروزنامة الانتخابية الرئاسية فشلا رابعا في مجلس النواب لانتخاب خلف الرئيس سليمان، وحدد الرئيس نبيه بري موعدا جديد لفشل خامس في 22 ايار الجاري، اي قبل يومين من انتهاء الولاية.. الا اذا حصل في الايام الفاصلة عن 24 ايار ما لم يكن في الحسبان، فيؤدي الى خلط الاوراق وقلب التحالفات رأسا على عقب.
حتى الآن، أطاح “نصاب الثلثين” بثلاث جلسات انتخابية، وتم تقاذف كرة الاتهام، بين فريق متهم بالتعطيل بعدم حضوره وبالتالي التفريط بالنصاب، وهذا يسري على “8 آذار” و”التيار الوطني الحر”، وبين فريق متهم بالتعطيل ايضا، بتمسكه بترشيح سمير جعجع وهذا يسري على “تيار المستقبل” وحلفائه في “14 اذار”. ولكن اللافت للانتباه بعيد جلسة الامس، هو الحديث عن توجه مفاجئ لدى العماد ميشال عون لتوفير نصاب جلسة 22 ايار على ان يعلن الموقف النهائي الثلاثاء المقبل.. والهدف إحراج جعجع بسحب ترشيحه.. وسعد الحريري بحسم موقفه الانتخابي.
لكن ماذا لو أن جعجع في سرّه وعلنه لا يريد أن يخلع البذلة الرئاسية ولو أن ترشحه أدى وظيفته. كان تكرار الاسم 48 مرة، كافيا لاشباع رغبة دفينة في مغادرة قفص المجلس العدلي حيث نودي عليه عشرات المرات بوصفه متهما بجريمة لا بل بجرائم.. ومع ذلك، يريد الرجل أن يقطع الطريق على “الجنرال” اذا كان وصوله هو مستحيلا بكل معنى الكلمة.
وبطبيعة الحال، لم يكن سعد الحريري مسرورا بترشح جعجع.. ليس لأنه ضده، بل لأن حساباته مختلفة. لذلك، كان النفور واضحا بين الاثنين، وعكسته تعبيرات نافرة على مواقع التواصل. يريد الحريري مرشحا وفاقيا، ولا يستطيع أن يوفر له نصابا الا بالتفاهم مع فريق “8 آذار” أو بعضه على الأقل. جرّب أن يراهن على نبيه بري، لكن الأخير ما بدل تبديلا من 2005 حتى يومنا هذا. وليد جنبلاط قصته مع آل الحريري متروكة للتاريخ.. واذا رُممت في يوم ما أو مرحلة ما.. لن تكون كافية الا لتمرير صفقة أو مرحلة من دون كبير رهان على ثبات سواء في الموقف أو الموقع، وهذا من نعم لبنان.
من هنا، جاء رهان الحريري المتأخر على ميشال عون واستفاقة الأخير على “الشريك السني”، بتأخير عمره فقط ثماني سنوات.
المشكلة أن الكل يخاف من الكل. “المستقبل” و”التيار الوطني الحر”. “14 آذار” و”8 آذار”. المسيحي والمسلم. السني والشيعي. الماروني والماروني.. وهنا المصيبة، كيف للمسيحي أن يجد رئيسا قويا، على شاكلة رئيس مجلس نواب شيعي ورئيس حكومة سني يمثل كل واحد منهما “القوي” في طائفته.. بينما هو منقسم على نفسه، وهل يمكن تصور ماذا يعني أن يتفق الموارنة على رئيسهم، اذا اقتنعوا أن وصول أحد الأربعة “أقوياء” ممن لا خامس لهم، يحتاج الى انقلاب في لبنان أو المنطقة، هذا ليس موسمه بل هو موسم التسويات؟
ما هو السيناريو المكمل للفراغ؟
هذا ما ستجيب عنه الأيام والأسابيع المقبلة.. فإذا صح ما نقل عن الراعي أمام “مكتبه السياسي المصغر”، فانه لن يكون مسموحا تكريس “سابقة حكم المسلمين للبلد من دون المسيحيين”. فهل هذا ما يفسر ما يتردد عن إجماع النواب المسيحيين في “8 و14 آذار” على تعطيل المجلس النيابي بعد الخامس والعشرين من آذار ورفضهم نقل صلاحيات رئاسة الجمهورية إلى مجلس الوزراء مجتمعا.. وهل يقود ذلك الى سيناريو استقالة الثلث المعطل من الحكومة ومن ثم استقالة بعض الكتل النيابية..
كيف سيتصرف النواب عندما تنتهي ولاية مجلسهم في تشرين المقبل، فان أكملوا بالتعطيل من يمدد لهم وهل يكون التلويح بالفوضى الدستورية والسياسية مقدمة لانتخابات رئاسية أو لاتفاق سياسي جديد.. وهل يمكن لأي رئيس جديد أو اتفاق سياسي، أن يأتي من خارج المشهد الإقليمي المتحول من حمص القديمة إلى طهران مرورا بالعراق؟ أم أن الاستقرار هو المعبر الالزامي لأية تسوية رئاسية تنتج “فخامة الرئيس”؟