|
عشر سنوات على قانون محاسبة سوريا والذي جاء بعد زيارة كولن باول إلى دمشق في العام 2004 ولقائه بشار الأسد.. يوم أدرك كولن باول بحسه العسكري إن ما تمّ التّوافق عليه مع سوريا أيام عاصفة الصحراء مع الرئيس حافظ الأسد لم يعد موجوداً بعد إحتلال العراق.. وإنّ قراءته للعراق غير القراءة الإيرانية التي عبّرت عنها سوريا بوضوح.. وأدرك حينها المأزق الأميركي باحتلال العراق..
بدأت أميركا مراجعة توجهاتها الأحادية وخصوصاً أنّ إحتلال العراق كان قمة الأحادية إذ حدث بناءً على تقارير مفبركة عن أسلحة الدمار الشامل بالإضافة إلى رفض المجتمع الدولي لهذه العملية وخصوصاً أوروبا مجتمعة ومعها روسيا التي كانت الضحية الأولى للأحادية كونها المهزوم الوحيد بالحرب الباردة.. باشرت أميركا بتغيير إستراتجيّتها بالمنطقة على أساس المأزق الأميركي في العراق وكيفية الخروج منه.. والذي تجلى بوضوح مع تقرير بايكر- هملتون في حين أنّ إيران بنت إستراتجيّتها على أساس المأزق الأميركي في العراق أيضاً وكيفية الإستفادة منه..
جاءت الزيارة التاريخية للرئيس الأميركي إلى فرنسا بمناسبة الذكرى الخمسين لنزول القوات الأميركية على شواطئ النورماندي في 6 حزيران عام 1944 والتي كان لها الفضل الأول بخسارة هتلر الحرب وانتصار الحلفاء.. فكانت قمة بوش الابن وشيراك على شواطئ النورماندي.. وكان التوافق تاماً باستعادة لبنان وحدته وسيادته واستقلاله ورفع آثار ما تراكم على مجتمعه ودولته وأرضه منذ اتفاق القاهرة.. فكانت جلسة مجلس النواب في الأول من أيلول 2004 لتعديل الدستور والتّمديد للرئيس إميل لحود رغم الإعتراض الدولي على ذلك.. فجاء في الثاني من أيلول 2004 أي في اليوم التالي القرار 1559.. وللأهمية فقط نورد مقدمة ذلك القرار كما جاءت:
«إذ يعيد مجلس الأمن إبداء دعمه القوي لوحدة أراضي لبنان وسيادته واستقلاله السياسي، ضمن حدوده الاقليمية المعترف بها دولياً.
إذ يسجل تصميم لبنان على ضمان انسحاب كل القوات غير اللبنانية من لبنان ويعرب عن قلقه الشديد لاستمرار بقاء مليشيات مسلحة في لبنان، يمنع وجودها الحكومة اللبنانية من فرض سلطتها الكاملة على الأراضي اللبنانية، ويعيد تأكيد ضرورة مد سيطرة الحكومة اللبنانية على كل الأراضي اللبنانية. وينظر في الانتخاب الرئاسي المقبل، ويؤكد أهمية عقد انتخاب حر وعادل وفق النظم الدستورية اللبنانية من دون أي تدخل أو ضغط خارجي».
ثم أعاد التأكيد في الفقرة الخامسة من القرار التي جاءت كما يلي:
«يعلن تأييداً لانتخاب الرئيس المقبل انتخاباً حراً وعادلاً وفق النظم الدستورية اللبنانية من دون تدخل أو ضغط أجنبي».
إنّ الهدف الأساسي من القرار 1559 هو ما انتهت إليه المقدمة أي ظروف إنتخاب الرئيس القادم.. وبمعنى أوضح أنّ القرار 1559 هو قرار بتحرير رئاسة الجمهورية التي لم تعد بعد الآن تحت سيطرة القوى المحلية والإقليمية بغض النظر عن البنود الأخرى والواضحة والتي كانت بمثابة إنهاء أميركي لخدمات سوريا في لبنان..
إنقسم اللبنانيون حول القرار 1559 وتشكّلت جبهة مواجهة عرفت بلقاء عين التينة.. وجبهة تأييد عرفت بلقاء البريستول.. وفي صلبها النواب الذين تمرّدوا على التمديد مع تمايز موقف الرئيس الشهيد رفيق الحريري لجهة سلاح المقاومة.. ولا أعتقد أنّنا بحاجة كثيراً لشرح تلك المراحل وخصوصاً بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والتّصدي الشعبي العفوي وغير المتوقع للجريمة مما استدعى نزولاً شعبياً لإحداث الغلبة الشعبية المؤيدة لسوريا التي يطالب رافضو الجريمة بخروجها من لبنان.. وخصوصاً بعد إستقالة حكومة الرئيس عمر كرامي.. فكانت 8 آذار طوفان بشري أُريد منه أن يوقف الجداول المتقاطرة إلى ساحة الشهداء كلّ مساء.. فجاء 14 آذار طوفان بشري موازي أكّد الشرعية الشعبية لرفض الجريمة.. فانسحب السوري معلناً بأنّه خرج تنفيذاً للقرار 1559.. وهذا أول تأكيد على أن هذا القرار للتنفيذ…
استوعب اللبنانيون الخروج السوري وساعد الأميركي كثيراً على التقارب بين كلّ المكوّنات معتبراً بأنّ الخروج السوري كافياً في تلك المرحلة من أجل إستكمال باقي بنود القرار 1559 وكان قد عُيّن تيري رود لارسن موفداً خاصاً للأمين العام للإشراف على تطبيق الــ 1559.. والجدير بالذكر بأنه عاد إلى الظهور مجدداً في الأيام الماضية ليتحدث عن الاستحقاق الرئاسي بعد أن كان له دور في تشكيل الحكومة الأولى بعد الاغتيال وكذلك الإنتخابات والتحالفات إلى جانب السفير الأميركي وكذلك الفرنسي مباشرةً وعبر عدة قنوات وفي أكثر من إتّجاه.. وإنطلقت أعمال لجنة التحقيق الدولية بالجريمة وبدأ التحضير لإتفاقية المحكمة الدولية الخاصة بلبنان..
كانت حرب 2006 محطة أساسية في تحول الصراع والأدوار.. إذ انتهت تلك الحرب بالقرار 1701 الذي بُنِيَ على أساس القرار 1559 وعلى مذكرة الحكومة اللبنانية ذات البنود السبعة والتي أعادت تأكيد الإلتزام الرسمي اللبناني بما تبقى من بنود القرار 1559.. وبموافقة كامل مكوّنات الحكومة وجاءت قوات اليونيفل التي يبلغ عديدها أكثر من عشرة آلاف جندي أقل من نصفهم من الأوروبيين وتبلغ كلفتهم سنوياً ما يقارب مليار دولار منذ ثماني سنوات بالتمام والكمال.. وخرج الجنوب من دائرة الصراع الداخلي والإقليمي وتحديداً جنوب الليطاني واعتبر ذلك المرحلة الثانية من تطبيق ال 1559.. وهنا لا بد لنا من شكر أوروبا التي ساهمت ولا تزال في شراء الاستقرار في لبنان، وآخرها احتواء التهجير السوري بأكلافه الباهظة.. ومن الواجب أن نقول لها شكراً في يوم أوروبا والذي صادف في الأمس التاسع من أيار..
بدأت عملية البحث بالإستحقاق الرئاسي بالإستقالة من الحكومة وتفاهم مار مخايل والإعتصام لحماية ما تبقى من ولاية الرئيس لحود الذي لم يستطع السيطرة على الحكومة المعادية له.. واستمر الإعتصام والتعطيل حتى بعد إنتهاء ولايته الممدّدة.. وكانت 7 أيار واحد والتي أدت إلى الدوحة وهي ما يشبه نصف إنتخاب رئيس الجمهورية بالمواصفات التي حدّدها القرار 1559..
كانت السنوات العشر الماضية بالغة الدقة على لبنان واللبنانيين جميعاً وبدون إستثناء.. وخصوصاً الإغتيالات التي طالت نخبة من القيادات السياسية والفكرية والإعلامية والأمنية.. بالإضافة إلى المحاور والدماء اللبنانية اللبنانية التي سالت في بيروت وصيدا وطرابلس وعكار وبعلبك وعرسال والهرمل والضاحية.. والحديث مؤلم وطويل.. ناهيك عما يدور في سوريا وإلى متى وما هي الأكلاف… ونقول ذلك كي لا يعتقد أحد بأنّنا تغافلنا في عرضنا عن الخسائر والتضحيات..
لا نستطيع أن نقول بأنّ الإنقسام الحالي في المجلس النيابي قائم على أساس 8 و14 أبداً.. إنّ الإنقسام الأخير يعود إلى المربع الأول حول القرار 1559 ومن ضد ومن مع.. وما نستطيع أن نقوله بأنّ الأصوات المقترعة في الدورة الأولى وجميعهم من مواليد البريستول المؤيد للقرار 1559.. أكان ذلك التصويت للدكتور سمير جعجع أو للأستاذ هنري الحلو.. ومعهم إلى حدّ بعيد الأصوات المشاركة بالنصاب الناقص في الجلسات الثانية والثالثة وهم من بعض لقاء عين التينة.. وبالذات من نواب منطقة القرار 1701 القائم على 1559 وهذا طبيعي..
الجميع يعرف وخصوصاً القيادات التي نشطت في الساعات الماضية.. وتحرّك كلّ منهم من موقعه باتجاه الآخر.. فلقد زار غبطة البطريرك رئيس الجمهورية.. وزار الرئيس الجميل الأقطاب الثلاثة.. وكذلك زار الدكتور جعجع غبطة البطريرك.. والكلّ يعرف أنّ ما وصلوا إليه ثمنه عشر سنوات عجاف على كلّ لبناني ولبنانية.. وأنّ لبنان يعيش وسط نزاعات لا تحتمل إيقاظ النعرات القديمة أو النزاعات.. وأنّ المسلمين اللبنانيين خسروا الكثير من الدماء أفراداً ومناطقاً على الأرض اللبنانية أو في سوريا.. وأنّ جهاز تبريد الحكومة محدود ومحدود جداً وقابل للإشتعال سريعاً.. وإنّ الترف غير لائق في الأحزان.. إنّ اللبنانيين مجروحين ومأزومين وخائفين ويريدون الخلاص الوطني قولاً وفعلاً.. وعلى الجميع تحمّل المسؤوليات وأولها تقديم الموارنة للبنانيين رئيساً لكلّ اللبنانيين.. مسؤولاً عن كلّ اللبنانيين.. يطمئن المسيحيين والمسلمين.. ومع الإحترام والتقدير لأوراق الرئيس سليمان من إعلان بعبدا إلى قانون اللامركزية الإدارية إلى بكركي والمذكرة الوطنية إلى البرنامج الإنتخابي للدكتور جعجع والتي قد تصبح أوراق واردة إلى المؤتمر التأسيسي ما لم ينتخب رئيس ضمن المهلة الدستورية.
لأنّنا معنيون جميعاً بهذا الإستحقاق الوطني ولأنّ ما وصلنا إليه الآن لم يأتي بالصدفة وليس إستعادة مجدٍ أضعناه.. إنّما كان برغبة وطنية جامعة وعلى مدى عشر سنوات دفع خلالها اللبنانيون تضحيات جسام بدءاً من الشهيد الحيّ مروان حمادة الذي له حقّ إبداء الرأي منفرداً في الرئيس القادم.. وكذلك نايلة التويني وجريدة النهار.. والشهيد الحيّ الياس المر ومي شدياق وأسر جميع الشهداء.. إلى جانب ما يقدّمه سعد الحريري وما قدّمه من شهداء كبار وتضحيات جسام وعزل وإقصاء واغتيال سياسي وشخصي لأعزاء كان آخرهم وسام الحسن ومحمد شطح.. كلّ هؤلاء سقطوا من أجل إنتخاب رئيس صنع في لبنان..ومعهم كلّ الشهداء الذين سقطوا في عدوان تموز 2006 أو سقطوا خلال السنوات الثلاثة الماضية على الأراضي اللبنانية أو احترقوا باللهيب السوري.. بالإضافة إلى القطاعات الإنتاجية الصناعية والتجارية والسياحية وغيرها من قوى الإنتاج التي تأثّرت بالإقتتال أو بالعدوان أو التعطيل أو الفوضى.. فكلّ هؤلاء دفعوا ثمناً غالياً من أجل رئيس صنع في لبنان إيماناً منهم باكتمال الشراكة الوطنية بعيداً عن الغبن والخوف في دولةٍ قادرة وعادلة وجامعة.. أردنا من هذه السطور أن نغادر أوهام الإستحقاق الرئاسي بحفلات الزجل عبر المحطات التلفزيونية والبرامج والتّصريحات والإصطفافات لنقول بأنّنا اليوم وبدون أوهام وبعد عشر سنوات يعرفها اللبنانيون جميعاً ودفع ثمنها اللبنانيون جميعاً أنّنا أمام فخامة الرئيس 1559 وأكلافه الباهظة.. وشكراً لأوروبا في يومها..