الدستور واضح في حال الفراغ في سدة الرئاسة وهو لا يسمح للمجلس النيابي بالتشريع ولا يسمح بأي إستثناءات لهذه القاعدة!!!!
إبتداءً من تاريخ 25 أيار، خلت سدة الرئاسة. «خلو سدة الرئاسة» توصف هذه الحالة وهي مستخدمة في المادتين 62 و 74 من الدستور. أما من أراد أن يزخم ضرورة ملء سدة الرئاسة، إستخدم عبارة الفراغ للتدليل على خطورة هذا الخلو، ومن أراد أن يتطبع مع هذا الخلو، إستخدم عبارة الشغور.
تنص المادة 62 على ما يلي:
في حال خلو سدة الرئاسة لأي علة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء.
أما المادة 74، فتنص على ما يلي:
إذا خلت سدة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس أو إستقالته أو سبب آخر فلأجل إنتخاب الخلف يجتمع المجلس فورا» بحكم القانون وإذا إتفق حصول خلاء الرئاسة حال وجود مجلس النواب منحلا» تدعى الهيئات الإنتخابية دون إبطاء ويجتمع المجلس بحكم القانون حال الفراغ من الأعمال الإنتخابية.
أما المادة 75، فهي تتكامل مع المادة 74 وهي تنص على ما يلي:
إن المجلس الملتئم لإنتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة إنتخابية لا هيئة إشتراعية ويترتب عليه الشروع حالا» في إنتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أو أي عمل آخر.
إن المواد الثلاث في غاية الوضوح من حيث وضع الضغط البالغ على المجلس، وليس فقط حثه، لإنتخاب رئيس الجمهورية بأقرب موعد دون إبطاء.
فالمادة 62 تستخدم كلمة «وكالة» لتؤكد على ضرورة الإسراع في إنتخاب الأصيل. والوكالة معطاة لمجلس الوزراء، أي الحكومة مجتمعة. فماذا يحدث إذا ما إستقالت حكومة اللاوفاق وطني الهجينة لأي سبب داخلي أو إقليمي، علماً» أن الأوضاع الدولية والإقليمية واللبنانية في مهب الريح! أين تذهب حين ذاك صلاحيات رئيس الجمهورية؟!
وعلى متن المادة 74، نقرأ « يجتمع المجلس فورا» بحكم القانون»، ما يعني أن القانون يلزم إجتماعه وأن المجلس يجب أن يشرع إلى إنتخاب رئيس أن لا أولوية غير هذه المهمة. كما أن هذه المادة تلحظ حالة خلو الرئاسة مع حال مجلس منحل، ما يعني أنه لا واجب لتمديد ولاية المجلس «إحتياطا»»، فقبل تاريخ إنتهاء ولايته في 20 تشرين الثاني، يجب إجراء الإنتخابات وإن لم تجر في هذه المرحلة، «تدعى الهيئات الإنتخابية دون إبطاء ويجتمع المجلس بحكم القانون حال الفراغ من الأعمال الإنتخابية.»
أما المادة 75، فتؤكد على: «إن المجلس الملتئم لإنتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة إنتخابية لا هيئة إشتراعية…». فمن الواضح، على ضوء المادة 74، أن عبارة «المجلس الملتئم لإنتخاب رئيس الجمهورية» لا تعني جلسة مخصصة لإنتخاب رئيس الجمهورية، إنما تعني أن المهمة الوحيدة للمجلس هي إنتخاب الرئيس. والبرهان الساطع على هذا التفسير لهذه المادة هو ما تقرأه على متنها: «ويترتب عليه الشروع حالا» في إنتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أو أي عمل آخر.» لاحظ «عبارة أي عمل آخر». إنها تعني أيضا» أن ليس للمجلس الحق بدور مراقبة الحكومة. كما أن الحكومة في مرحلة خلو سدة الرئاسة، لا يحق لها بإقتراح القوانين على مجلس نيابي لا يحق له التشريع، وبالتالي، هي حكومة محدودة الصلاحيات.
بالخلاصة، يحول الدستور المجلس النيابي إلى هيئة إنتخابية ليس إلا، جاعلا» مهمته الوحيدة إنتخاب رئيس الجمهورية. كما لا يعطي صلاحيات كاملة للحكومة. والهدف هو الضغط على المجلس النيابي والحكومة والطبقة السياسية لكي يكون الخلو في سدة الرئاسة الإستثناء لا القاعدة.
من هنا، إن أي تساهل بقبول عقد جلسات تشريعية لأي سبب كان أو بأية حجة كانت، يؤدي إلى عكس غاية المادتين 74 و75المتكاملتين، وبالتالي يشكل خرقا للدستور.
فمن الخطأ الجسيم المناداة بالتزاوج الهجين بين مقاطعة جلسات المجلس التشريعية والقبول بالمشاركة الإستثنائية في بعض منها، مثلا في مسألة إقرار قانون الإنتخابات أو قانون لتمديد غير دستوري ثان لولاية المجلس النيابي الممددة أصلا» بحجة ضرورة إستمرار مؤسسات الدولة وخطر الذهاب إلى مجهول الهيئة التأسيسية.
إن مثل هذا الموقف الملتبس قصدا» يتناقض مع الدستور ويجعل من رئاسة الجمهورية لزوم ما لا يلزم في ممارسة سلطة الدولة كمايحول موقف المقاطعة للجلسات التشريعية إلى موقف كلامي يستخدم غب الطلب للمناورة لا هدف جدي له سوى الإعتراض الإستعراضي على الفراغ في سدة الرئاسة وعلى الإخلال في القواعد الميثاقية للعيش المشترك.