Site icon IMLebanon

فقراء مصر يُمهلون “الثورة” سنتين؟

يتابع عدد من الذين شاركوا في ثورتي مصر الاخيرتين سرد ملاحظاتهم الانتقادية للنظام الجديد الذي بوشِر تشكيله فيقولون إن مصر ليست جاهزة الآن لاستعادة دور عربي أو دور أفريقي أو عالمثالثي رائد. فهذا الدور انتهى مع وفاة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، علماً أن بعض المحللين يعتبرون أن نهايته بدأت بعد الهزيمة العسكرية أمام إسرائيل عام 1967. ولم يمكِّن الصلح الذي أقامه خلفه الرئيس الراحل أيضاً أنور السادات مع إسرائيل مصر من المحافظة على الدور المذكور رغم التأييد الدولي الكبير الذي تلقّاه وخصوصاً من الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل. فأفريقيا ما عادت تلهمها مصر. والعالم العربي قسّمه صلحها مع إسرائيل. ومع الرئيس المخلوع مبارك ازداد ضمور الدور المصري.

ولا يبدو في رأي المشاركين في الثورة أنفسهم أن “مصر الجديدة” التي تؤسَّس حالياً قادرة على العودة رقماً إقليمياً صعباً. فوضعها الاقتصادي متردٍّ. والتحدّي “الإخواني” لها صعب، ويصعِّبه تنامي التيارات الإسلامية المتشددة في أوساط مصرية معينة، وتلاقي مصالحها مع مصالح “الإخوان المسلمين”، وربما سائر المتضررين من عودة الحكم العسكري إلى مصر وإن بصيغة منقّحة. طبعاً حاول مسؤولون مصريون في مرحلة الدولة الجديدة أو تأسيس النظام الجديد لها التصرّف كدولة عربية أكبر أو ربما إقليمية أكبر، فاختلفوا مع أميركا وغازلوا روسيا مكرّرين تجربة الراحل عبد الناصر في بداية حكمه. لكنهم أخفقوا في تحقيق النتائج المتوخاة. وحاولوا أيضاً الحوار مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ليس انطلاقاً من تأييد لسياستها ومن رغبة في الانضمام إلى محورها الممانع، وهي الدولة الجديّة جداً على قلة الدول الجدية في العالم العربي والشرق الأوسط، ولكن انطلاقاً من رغبة في شرح مواقف حلفائها من الدول العربية التي ترى في إيران تهديداً لها وخطراً عليها، وتالياً في إقناعها بتعديل سياساتها. لكنهم أخفقوا في تحقيق مبتغاهم لأن الدول العربية التي أمدّتهم بالمساعدات المالية الضخمة وفي مقدمها المملكة العربية السعودية لم توافق على أي حوار مصري – إيراني.

وتفيد معلومات المشاركين إياهم في ثورتي مصر الأخيرتين أن وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل كرّر موقف بلاده الرافض للحوار مع إيران ثلاث مرات على الأقل في ثلاثة اجتماعات. واستجاب المسؤولون للموقف السعودي بسبب وضعهم الاقتصادي المتردّي، وبسبب حاجتهم كما حاجة زملائهم السعوديين إلى التعاون لمواجهة خطر أساسي يشكله “الإخوان المسلمون”. وفي المجال نفسه يقول هؤلاء إن علاقة مصر “الجديدة” مع أميركا لا تزال جيدة، لكن سحباً من الخلافات لا تزال تظللها. فالإدارة في واشنطن لا تزال تتعامل مع المشير السيسي، ورغم انتخابه رئيساً للجمهورية، بشيء من الحذر وباعتباره أمراً واقعاً. وأسبابها كثيرة أبرزها طريقة تعاطيه مع “الإخوان” ومع مناصريهم الكثيرين، كما مع معارضين آخرين كانوا شركاء في ثورة اعتبروا أن الدولة التي ستنبثق منها ستكون ديموقراطية.

طبعاً لا يعني ذلك أن الحليفين المزمنين يتوجهان نحو الخلاف الحاد وربما القطيعة. فالتزام الرئيس السيسي معاهدة السلام مع إسرائيل بكل مندرجاتها، وقد ظهر ذلك في مقاربته الحرب على غزة، جعل واشنطن متمسكة بعلاقة جيدة مع القاهرة. فضلاً عن أن دور السعودية، حليفة مصر الجديدة بزعامة السيسي وحليفة أميركا، تعمل لتلافي وصول حليفيها إلى الخلاف الكبير.

هل من دور لـ”مصر الجديدة” في السودان وليبيا الدولتين المجاورتين لها جغرافياً حيث الأوضاع غير مستقرة إلى أبعد الحدود؟

الحدود الفالتة معهما، التي تمّت الإشارة إليها في “الموقف” الأخير، تفرض على رئيسها وحكومتها الانتباه والعمل لوقف “الخطر الأصولي الإسلامي” المتسلل إلى مصر منهما. وذلك لا يكون بعمل عسكري واسع وكبير يساهم في تغيير أوضاعهما وفي دفعها نحو الاستقرار لأن ظروف البلاد لا تسمح بذلك. لكنه قد يكون بعمليات قصف جوي داخل الحدود السودانية والليبية عند الحاجة أو ربما بعملية “تنظيف” حدودية محدودة.

هل يسكت ثوار مصر على “دولتهم الجديدة” في حال ازدادت خيبة أملهم فيها؟

المشاركون في الثورتين أنفسهم يؤكدون استحالة سكوتهم ولا سيما الفقراء منهم الذين لولاهم ما قامت الثورتان. فهؤلاء كسروا جدار الخوف وصاروا مستعدين للنزول إلى الشارع عند الحاجة. وذلك قد يحصل بعد نحو سنتين، أي بعد قيام مؤسسات الدولة، وخصوصاً إذا لم يلمسوا أي تحسن في أوضاعهم أو في أوضاع مصر.