Site icon IMLebanon

فلسطين تبحث عن بوصلة

سئمت الأدعياء الذين يردّدون: “فلسطين هي البوصلة”، ويتجاهلون الإساءات الفعلية التي يتعرّض لها الفلسطينيون على أيدي المحتلّين والسجّانين والدول المضيفة المعادية لهم.

لا اقصد فقط ما تفعله إسرائيل بالفلسطينيين، بل أقصد أيضاً فلسطين في نسخها الكثيرة، لأنه بعد عقود من النزاع والنزوح والخسائر، باتت لكل فلسطيني نسخته الخاصة؛ وفلسطين تبحث عن بوصلتها، خصوصا ان أية دولة عربية لم تعطها نموذجاً قابلاً للحياة أو دعماً كي يصير لها وجودها كدولة مستقلة.

الفلسطينيون ينزفون ويريدون أن يعيشوا بسلام. حتى “حماس” تريد السلام. للمرة الأولى في حياتي انضممت إلى حملة عبر الإنترنت عنوانها “كلنا فلسطينيون” لأنني أعتقد أن محبّي السلام صمتوا أكثر مما ينبغي وتركوا المستأسدين يثرثرون بلا انقطاع. يعطي هذا انطباعاً للعالم الخارجي أننا جميعاً موافقون على ما يجري، فنُصنَّف تالياً في خانة “الإرهابيين” و”العنيفين”، ونعطي الآخرين سبباً لمهاجمتنا تكراراً وبلا رحمة.

ليست فلسطين البوصلة، بل تُستخدَم ذريعة لتبرير إخفاقات من يختبئون خلف هذا الشعار. ماذا تسمّون الأشخاص الذين يدعون إلى مزيد من التصعيد في غزة؟ لماذا لا يناضلون عوض ذلك من أجل حصول الجيل الثالث من اللاجئين الفلسطينيين على معاملة لائقة؟ لا يمكنهم أن يلقّنوا الفلسطينيين أي شيء عن الحكم أو البنى التحتية أو الموازنة. لا يمكنهم أن يمنحوا الفلسطينيين الأمل أو القوة أو الدعم المعنوي أو الرؤية أو الحرية، لأنهم لا يملكون شيئاً منها.

فكّروا جيداً قبل أن تقولوا في المرة المقبلة: “فلسطين بوصلتي”. أية بوصلة؟ إلى أين تحاولون الذهاب وتحتاجون إلى فلسطين لتدلّكم على الطريق؟ كفى هراءً وحاولوا مساعدة فلسطين النازفة والمحطّمة، ومئات آلاف الفلسطينيين الذين يعيشون في مخيمات اللاجئين منذ سبعة عقود، نحو قرن من الزمن، وكأنهم في سجن! لا بل أفضل من ذلك، أضيئوا شمعة على أرواح الفلسطينيين الأبرياء الذين قضوا من غير أن يرتكبوا أي ذنب.

سيدخل الصراع قريباً سنته المئة، ولا يزال الفلسطينيون يعيشون في مخيمات تفتقر إلى أدنى مقومات حقوق الإنسان، في حين أن المثقفين الزائفين وأتباعهم العميان يصفّقون ويطلقون رصاص الابتهاج لدى أسر جندي إسرائيلي أو قتله.

لا شك في أن إسرائيل تذلّ الفلسطينيين وتجرّدهم من إنسانيتهم، فتحوّلهم مجرد أرقام وإحصاءات. لكن ما يفعله هؤلاء “المفكّرون”، ذوو الرؤوس الحامية الذين يحرّضون على العنف، يسبّب مزيداً من الألم للفلسطينيين؛ ويُمعنون، بواسطة المتفرّجين الكسالى والعنيفين الذين يهلّلون لهم، في إذلال الفلسطينيين عبر تحويل موتهم وكرامتهم مجرد أرقام لا أهمية لها!