Site icon IMLebanon

فن التعطيل الإيراني

حسمت طهران بالسلب الجدل حول إمكانية لقاء قريب مع القيادة السعودية، يؤسس ولو ببطء شديد لمرحلة جديدة بين البلدين، اللذين تمر العلاقات بينهما بمرحلة توتر شديد شبيهة بتلك التي سادت بين موسكو وواشنطن، إبان الحرب الباردة، ولكن بتوازنات إقليمية.

فقد أعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عدم قدرته على المشاركة في أعمال اجتماع وزراء خارجية دول التعاون الإسلامي، الذي سينعقد في جدة منتصف الشهر الحالي، لارتباطه بالمفاوضات النووية بين إيران ودول «5+1» في جنيف، حيث تعقد جولة جديدة وحاسمة حول مستقبل المشروع النووي الإيراني.

تزامن الرد الإيراني مع الدعوة التي وجهها وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، لنظيره الإيراني محمد جواد ظريف، مع وصول أمير دولة الكويت الشيخ جابر الصباح إلى طهران، في زيارة تاريخية، تهدف في شقها الكويتي إلى تطوير العلاقات بين البلدين، فيما اعتبر البعض أنها من الممكن أن تحمل شقا خليجيا عاما وسعوديا على الخصوص، يمكن المراهنة عليه في فتح ثغرة بين الرياض وطهران، تساعد على وضع الأمور العالقة والساخنة بينهما على طريق الحل.

لكن عدم حضور ظريف أعمال القمة بالنسبة للمعنيين هو رفض إيراني لإجراء محادثات جانبية مع السعوديين، حول مستقبل أمن واستقرار المنطقة، من سوريا إلى اليمن مرورا بالعراق ولبنان، ويعكس رغبة إيرانية باتجاهين:

الأول استكمال الاندفاعة الإيرانية في سوريا وتتويجها بمسرحية انتخابات رئاسية، تعيد تمسك طهران بشخص الأسد وتقديمه كمنتصر على من تصفهم بالجماعات التكفيرية، واعتبار أن الانتخابات هي استفتاء شعبي على شرعية حكمه، أما في اليمن فيكمل الحوثيون تقدمهم في منطقة عمران الاستراتيجية، التي تضعهم ميدانيا على أبواب العاصمة صنعاء، وفي بغداد تبقى لطهران اليد الطولى في حسم الصراع على منصب رئيس الوزراء وشكل التحالفات السياسية، فيما نجح حلفاؤها في لبنان في تعطيل نصاب البرلمان لانتخاب رئيس للجمهورية، بعدما قرروا ربط الاستحقاق الرئاسي بتطورات الوضع الإقليمي، وما سوف يرشح من مفاوضات جنيف النووية والحوار مع واشنطن.

أما الاتجاه الثاني فهو رصد مدى الليونة التي ستتعامل معها مجموعة الدول الخمس الكبرى إضافة إلى ألمانيا، مع شروط طهران والخطوط الحمراء النووية، التي وضعتها القيادة الإيرانية لفريقها المفاوض في جنيف، خصوصا مسألة القوة الباليستية الإيرانية، التي نبه مرشد الجمهورية السيد علي خامنئي إلى أنها حق لا يمكن التنازل عنه.

المهم لطهران تعطيل الحلول الممكنة مع الدول الإقليمية حتى العودة من جنيف باتفاق الحد الأدنى الممكن، وتحويله إلى أرباح إقليمية طائلة، تستغلها من أجل فرض شروطها على المنطقة عامة والسعودية خاصة، وتعتبر نفسها في حل من تقديم أي تنازل، بعدما يتحقق ما تعتبره اعترافا دوليا بدورها وقدرتها ومكانتها، التي فرضتها بقوة النفوذ على دول المنطقة.

أما إذا فشلت المفاوضات في جنيف أو قررت الدول الست تمديد اتفاق جنيف الأول 6 أشهر إضافية، من أجل الحفاظ على ما تم تحقيقه مع طهران، فإن إيران ستستدير إقليميا، باتجاه من تعتبرهم شركاء الغرب في حصارها والتآمر عليها، وتستكمل اندفاعتها العسكرية في أغلب مناطق نفوذها.

تطمح إيران، كما يقول الكاتب السعودي الأستاذ عبد الرحمن الراشد، إلى «إدخال السعودية إلى غرفة المفاوضات وحيدة من أجل الاستفراد بها ومحاصرتها»، لكنها تواجه بعناد سعودي يرفض الاعتراف بسيادتها على الأمر الواقع الذي حققته في سوريا واليمن، كما يرفض محاولات استئثارها الكامل في لبنان والعراق.

في الحرب الباردة أنشأ السوفيات والأميركيون خطا ساخنا بينهما لإدارة النزاعات الدولية والإقليمية، فيما يبدو أن الوسطاء عاجزون حتى الآن عن فتح ثغرة في الجدار السميك بين الرياض وطهران، نظرا لاعتبار كل منهما أن القضية أصبحت مصيرية.