لا تزال قوى 14 آذار تدعم رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع للرئاسة، مع علمها أن الآتي هو الفراغ. فيما بدأ التفتيش عن أسماء مرشحين توافقيين من داخل قوى 14 آذار
هيام القصيفي
منذ ستة أشهر قرر رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع خوض انتخابات رئاسة الجمهورية. ومنذ ثلاثة اشهر، وهو يخوض معركة سياسية واعلامية نظيفة بالمعنى العلمي للكلمة: لم يهاجم احداً، ولم يفتح النار على أي مرشح، لا بل أعدّ حملته في اطار الاتفاق الذي جرى في بكركي برعاية البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي. بعيداً عن رفض قوى سياسية ترشح جعجع، ونبش قبور الحرب خلال جلسة الانتخاب، تمكن رئيس حزب القوات في مهلة الأشهر الثلاثة من أن يفرض جدول أعمال الانتخابات الرئاسية ويحوّلها إلى معركة فعلية.
رغم معرفة جميع القوى السياسية أن الانتخابات لن تحصل في موعدها، خرق جعجع قرار الحظر المفروض عليه سياسياً، ترشح، أعلن برنامجه، نال 48 صوتاً، والأهم أنه انتزع موافقة حلفائه جميعاً على ترشحه. صارت معركة المشروع الارثوذكسي وراء جعجع ووراء المستقبل، الذي أعطى موافقة صريحة ولا لبس فيها لترشيح جعجع، ترجمت في صندوق الاقتراع، وفي اطلاع الحريري حليفه على كل ما يجري في اللقاءات الباريسية. قال الرئيس سعد الحريري للعماد ميشال عون والوزير جبران باسيل، بحسب مرجع كبير في قوى 14 آذار: «دون دعمي لك مشكلتان، الأولى قرار سعودي يقضي بدعم جعجع، والثانية قرار جعجع باستمرار ترشحه».
لا انتخابات في المدى المنظور وحديث جدي
عن التمديد لسليمان
كان الاتفاق في بكركي واضحاً. يقول الراعي بحسب زائريه: «سألت عون ثلاث مرات اذا كان موافقاً فأجاب بالإيجاب». والموافقة تعني ان يترشح من يريد من الأقطاب الموارنة وليفز من يفز. يصبّ الراعي غضبه الشديد اليوم على من خالف الاتفاق. حدّته في الكلام عن عدم نزول عون ونوابه الى جلسة الانتخاب، ترتفع مع كل يوم يقترب لبنان فيه من الفراغ. فمغزى الاتفاق أن يترشح عون وجعجع، وينالا ما ينالان من الأصوات. حينها سيضطر النائب وليد جنبلاط الى التصويت لأيٍّ منهما، لا أن يظل الى ما شاء الله متمسكاً بوسطيته. كان الهدف ان يخوض المسيحيون معركة دفع القوى السياسية جميعاً الى جلسة الانتخاب.
بالنسبة الى المرجع نفسه، فوّت المسيحيون هذه الفرصة، بسبب اصرار عون على رفض النزول الى الجلسة «لو ترشح عون لكان الأمر اختلف ولكانت الانتخابات حصلت. فمسيحيو 14 آذار أبدوا استعدادهم لدعمه في حال فوزه».
في المقابل، لم يترشح جعجع لينسحب، أو ليكون ناخباً أول فحسب. منذ ستة أشهر، كان الوضع الإقليمي مغايراً لما هو عليه الآن، وكان الوضع الماروني مختلفاً أيضاً، استناداً إلى اتفاق بكركي الذي «أخلّ به عون». اليوم تغيرت الظروف، «السعودية مشغولة بمصر وبسوريا، والأميركيون غائبون والأوروبيون كذلك. وحدها إيران على ما يظهر ناشطة في لبنان وسوريا».
التوافق على الجميّل وحرب
لم يترشّح جعجع لينسحب أو ليدعم أي مرشح آخر، لكن كلامه في بكركي أخيراً أثار أسئلة عن تراجعه عن ترشحه، ولمصلحة من؟
بحسب معلومات «الأخبار»، جعجع متمسّك بكونه مرشحاً لقوى 14 آذار، ولم يتراجع عن ترشحه. أما اذا انتفى إمكان وصوله، فسيفتح باب التفاوض على مرشح توافقي إذا قبل الفريق الآخر بواحد من اثنين فقط، الرئيس أمين الجميّل أو الوزير بطرس حرب. أي إنه مستعد للتفاوض على هذين المرشحين فحسب من قوى 14 آذار، إذا قبلت بهما قوى 8 آذار، على أن يتواصل مع المرشحين كي يكونا ضمن إطار وفكرة قوى 14 آذار ورؤيتها للبنان. فالأهم بالنسبة إلى هذه القوى أن تجرى الانتخابات الرئاسية، لا أن تتعرقل بسبب رفض التصويت لجعجع.
وبحسب المرجع في قوى 14 آذار، من غير المطروح نهائياً اسم الوزير السابق جان عبيد، «فهو لن يكون أبداً مرشحنا، حتى إننا أبلغنا كل من يتدخل في الانتخابات إقليمياً ودولياً ومحلياً أننا لن نقبل أن يطرح هذا الاسم على الطاولة حتى في المفاوضات الأولية. فالمرشح الذي لم يدل بموقف من أي قضية سياسية، لا بالنسبة إلى سوريا ولا سلاح حزب الله ولا الوضع الداخلي ولا قانون الانتخابات وغيرها، طوال عشرة أعوام، ويفيق على الانتخابات كل ست سنوات، مرفوض نهائياً. وهناك أيضاً مرشحون لا نميل إلى تعديل الدستور من أجلهم، من بينهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وقائد الجيش جان قهوجي. وفي لائحة غير المطروحين بالنسبة إلينا في الظرف الراهن النائب روبير غانم، والمرشحون من الوزراء السابقين زياد بارود ودميانوس قطار وروجيه ديب والصناعي نعمت افرام. فمعيار اختيار الرئيس الشخصية التي تناسب الموقع. من غير المسموح أن يأتي أي شخص إلى موقع رئاسة الجمهورية، هناك حجم ومقياس معينان يجب أن يتناسبا مع المرشح الجدي للرئاسة».
عون لن يستسلم
إصرار قوى 14 آذار على الانتخابات يقابله، بحسب المرجع المذكور، إصرار عون على تعطيلها. ثمة معلومات تتحدث عنها هذه القوى بجدية مطلقة «فتهديدات عون بتخريب الاستحقاق والبلد جدية. حتى الآن لم ييأس بعد من مفاوضاته مع الرئيس سعد الحريري، ولم يفقد الأمل بإمكان إقناعه بالتصويت له. لكن حين يفقد الأمل، سنرى منه ما يفوق التصور».
معلومات قوى 14 آذار عما قد يلجأ إليه عون، يتدرج «فخلافاً لما يمكن ان يعتقده البعض، لن يسلم بسهولة في معركة الرئاسة او التفاوض عليها. هذه معركة حياة او موت، وهو سيقاتل من اجلها حتى النهاية. وما وصلنا هو تهديد بأحداث ازمة حكومية اولاً من خلال مقاطعة وزرائه الحكومة ومن ثم التهديد بالاستقالة. مع العلم أنه إذا فعل ذلك، تستمر الحكومة بالعمل ولن يتمكن من إفقادها النصاب».
تثق قوى 14 آذار، من خلال اطلاعها على المحادثات التي يجريها عون مع المستقبل، انه لن يتراجع ولن يقايض، لا اليوم ولا غداً. فالمعركة معه ستكون صعبة، «وفي الدوحة استلزم الامر تدخل القوى العربية والاقليمية والدولية بكل الوسائل لإقناعه بانتخاب الرئيس ميشال سليمان. اما اليوم فلم يتدخل بعد معه اي طرف».
ثمة انطباع يتأكد يوماً بعد آخر، هو ان جميع القوى السياسية استسلمت لفكرة ان لا انتخابات في المدى المنظور، وقوى 14 آذار تتعامل بواقعية مع هذا الامر «حتى الآن لم تبدأ بعد عملية التفاوض الجدية لإجراء الانتخابات. لم يفتح بعد اي طرف باب التفاوض او حتى باب الصفقات. لم يتدخل بعد اي طرف اقليمي او دولي إلا في اطار الكلام العام حول ضرورة اجراء الانتخابات».
هذا يعني، في المحصلة النهائية، ان لا انتخابات في المدى المنظور، وسط معطيات بدأت تتحدث بجدية عن التمديد لرئيس الجمهورية ميشال سليمان.
التمديد بدل الفراغ
بحسب معلومات قوى 14 آذار، طرح الراعي الفكرة من باب رفضه الفراغ، وهو أمر تشاطره به شخصيات في قوى 14 آذار التي تحاول ان تجد مخرجاً للحؤول دون الفراغ. رغم أن التمديد يحتاج الى تعديل دستوري، وهو ما كانت ترفضه هذه القوى «كي لا يستمر خرق الدستور». لكن على ما يبدو، صار طرح التمديد قابلاً للنقاش رغم معرفة هذه القوى ان حزب الله لا يمكن ان يقبل بالتمديد لسليمان. وكذلك الأمر بالنسبة الى عون، الا اذا كان الهدف، وهو هنا الاهم، التلويح لعون بإمكان التعديل الدستوري للتمديد. علّه هذه المرة يجد دافعاً للنزول الى المجلس النيابي واجراء الانتخابات الرئاسية.