Site icon IMLebanon

في أكذوبة «داعش»

من البديهي أن ما يجري في شمال غربي العراق هو حدث ذو أهمية كبيرة، أو بالأحرى هو فصل أساسي من فصول السيرورة التي بادر إلى إطلاقها الرئيس المصري الأسبق أنور السادات. قطعت هذه السيرورة مراحل كثيرة إلى أن بلغت المرحلة الراهنة، مرحلة «الثورات» واستيراد «الديمقراطية» الأميركية، التي يمكننا أن ننعتها أيضا بمرحلة النهايات.

أنا على يقين من أن حروب العراق، وقبلها حروب لبنان هي من ذات طبيعة «الثورات» التي هبت، في السنوات الأربع الأخيرة، كالأعاصير على بلادنا مخلفة الموت والخراب. ولكني لست هنا في معرض البحث في هذا الموضوع. فما أننا بصدده هو محاولة للتدقيق والتمحيص فيما تناهى وتنامى إلى العلم والسمع، في الأيام الأخيرة عن إنجازات وانتصارات الجماعات التي تسمى «داعش». إذ يبدو أن الأخيرة وسعت بقعة نفوذها. فصارت إمارتها تغطي مساحة «مذهبية» تمتد من الموصل في العراق إلى حلب في سوريا.

ما أود قوله، في البدء، أن الحرب لم تتوقف في العراق. وانه بموازاة «الثورات العربية» كانت السيارات المفخخة تـُفجـِّع العراقيين يوميا، دون توقف. بل كان عددها يتصاعد بالتلازم مع إقتراب «الثورات» من العراق، إلى حد انه في أحد الأيام تفجرت ثلاثون سيارة، في أنحاء مختلفة من البلاد. ما يعني أن الحرب كانت مشتعلة، بين السلطة من جهة والمعترضين على وجودها من جهة ثانية.

ومن نافلة القول أن أوار هذه الحرب توهّـج أكثر عندما اندلعت نار الأزمة في سوريا. لا سيما ان السلطة في العراق اصطفت إلى جانب الدولة في سوريا، في حين ان خصومها انضموا إلى معسكر أعداء هذه الأخيرة. والدليل على ذلك أن حضور الجماعات التي تسمى داعش كان مبكرا في ميدان النزاع على سوريا، حيث تمكنت من الإستيلاء على المناطق المحاذية للحدود مع العراق، وتحديدا منطقة الجزيرة.

ينبني عليه أن المنطق يجيز لنا القول بأن هذه الجماعات التي تسمى داعش، كمثل الجماعات الأخرى التي تشارك في الحرب على سوريا، لحساب الولايات المتحدة الأميركية ـ وإسرائيل، تتلقى الدعم من جميع الجهات التي تقف وراء هذه الحرب الهادفة إلى إسقاط الدولة في سوريا، وإلى تقسيم البلاد وتفرقة السوريين!

تأسيساً عليه، أن ما جرى في شمال العراق ليس مفاجئا، كون هذه المنطقة كانت في أغلب الظن، خارج سيطرة السلطة المركزية. ينجم عنه ان الضجيج الذي ترافق مع هذا الحدث، انما يبطن، على الأرجح حقائق تشير إلى أننا حيال مرحلة نهايات «الثورات» التي هلل لها الكتبة والمثقفون الذين باعوا عقولهم وضمائرهم عربونا من أجل انخراطهم في خدمة الحاكمية المعولمة الأميركية.

مجمل القول أني اشكك في الأخبار التي تتناقلها وسائل الإعلام حول الإنتصارات المزعومة لداعش. واعتمادي في هذا على النقاط التالية :

ـ يتكشف بمرور الوقت أن جماعات داعش لم تخض منفردة، الحرب ضد السلطة المركزية العراقية، بل كان إلى جانبها فرق من الجيش العراقي ومن أنصار الرئيس العراقي السابق صدام حسين ومن العشائر ومن الإخوان المسلمين (الحزب الإسلامي). بكلام اكثر صراحة ووضوحا، من المحتمل ان جماعات داعش، هي واجهة لتحالف مذهبي سني ضد سلطة عراقية مذهبية هي أيضا. هذا لا يعني أن التحالف السني والسلطة المذهبية الشيعية، يمثلان العراقيين.

ـ هناك دليل دامغ على مذهبية السلطة في العراق، يمكن استشفافه من النداء الذي وجهه السيد السيستاني إلى العراقيين، داعيا إلى «الجهاد»! لم يوجه الأخير مثل هذا النداء أثناء الغزو الأميركي. وفي السياق نفسه كان السيد الصدر دقيقا، إذ دعا أنصاره إلى الدفاع عن «المقامات الدينية».

لا أدري ما هي نسبة العراقيين الذين ما يزالوان خارج هذه السيرورة التي يتواجه فيها، مذهبيون من الشيعة ومذهبيون من السنة. ولكن يبدو أن السلطة المركزية المذهبية الشيعية من جهة والتحالف المذهبي السني في شمال غربي العراق من جهة ثانية، يقبلان من حيث المبدأ، تقسيم البلاد والإفتراق على أساس مذهبي. هذا نتيجة إجهاض المشروع الوطني!

هذا يطرح طبعا مسألة الثمن الذي يتوجب على كل فريق مقابل الحصة التي استحوذ عليها، بالإضافة إلى الدور الذي من المفترض أن يؤديه في المنازعة التي تؤجج نارها الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة. هذا موضوع يحتاج إيفاؤه إلى تفاصيل لا يتسع لها هذا البحث. لذا أكتفي بالإشارة إلى أن المطلوب تطبيق السيناريو نفسه في سوريا. استنادا إلى الحملة الدعائية التي رافقت المتغيرات في العراق، حيث صوّر الأمر على انه طوفان داعشي كاسح. ( ارتجاع صورة الجندي سنة 1967 الذي تخلى عن سلاحه نزع بزته العسكرية. الترهيب نشر صورا لإعدام عشرات الجنود الأسرى، داعش لا تأخذ أسرى !)

ولكن المهزلة أو المسخرة، من وجهة نظري، ظهرت في تلازم الضجيج حول «انتصارات داعش» في العراق مع تبنيها إختطاف ثلاثة جنود إسرائيليين في الخليل، ومع إعلان تركيا، ان داعش اختطفت ثلاثة من ديبلوماسييها في الموصل. هذا الكذب لا ينطلي إلا على السذج. فالعلاقة بين الحكومة التركية وبين داعش، لا تحتاج إلى برهان، مثلها كمثل الإختراق الإسرائيلي لجميع الفصائل التي تخوض الحرب الأميركية ضد سوريا، ومن ضمنها الجماعات التي تسمى داعش.