Site icon IMLebanon

في الازدواجية الإيرانية..

 

ذهبت إيران إلى كردستان لتسليحها ضد «داعش». وذهبت الى الانفتاح السياسي على المحيط العربي في إطار سعيها إلى «توحيد الجهود» ضد «داعش». وخرجت عن طورها المألوف في دعوتها واشنطن مباشرة وليس بالواسطة، للانخراط في الحرب ضد «داعش»، وتبدي استعدادات للتراخي في أماكن أخرى، منها لبنان مجدداً، في سياق إبقاء التركيز منصبّاً على «داعش».

.. ومع ذلك يفوتها الجزء الأهم من تلك الحركة المروحية برغم اتساعها: ستكتشف، مثلما سيفعل باراك أوباما، أن الحلقة السورية حاسمة في هذه الحرب. ولا يمكن تركيب السلسلة المضادة وشدّها إذا بقيت تلك الحلقة ناقصة!

والواقع هو أننا إزاء مشهد يُظهر في أوضح صورة ممكنة فشل الخيارات والسياسات الكبرى التي اعتمدتها إيران في السنوات الماضية… والمشهد ذاته يُظهر أيضاً فشل السياسات التكتيكية التي اعتمدتها واشنطن أوباما حيال القضية السورية تحديداً.

إيران تحصد ما زرعته ورعته وحضنته وغذّته في العراق على مدى السنوات العشر الأخيرة، (وخصوصاً في السنوات الأربع الماضية) والذي أنتج مناخاً أمطَر «داعش» على تربة عطشانة! وتعيد، بالتالي النظر في ذلك الجنى وفي النصوص الأولى لسياساتها التي أنتجته: ليس هيّناً ولا بسيطاً أن تعيد «اكتشاف» معنى التسوية! ومعنى «التفاهم» مع المحيط العربي. ومعنى مقاربة العلاقات مع الغرب بمنحى إيجابي وليس غوغائياً. ومعنى العودة إلى النصوص الجامعة والعامة بعد طول إقامة في النصوص التمييزية والخاصة والمختلفة والمبنية في جملتها على التمايز المذهبي!

.. ليس هيّناً ولا بسيطاً، أن تتناسى في أيام معدودة، كل ما راكمته على مدى سنوات، من خطابات وسياسات وتوجهات لم تترك خطاً أحمر إلا وكسرته، في سياق بحثها المحموم عن مراتب الدول العظمى! وأن تضع على الرف، كل بيانها التوجيهي التلقيمي التنويري والتثويري الخاص بـ«الشياطين» الكبيرة والصغيرة!

لكنْ ليس هيّناً ولا بسيطاً في المقابل، أن تفعل ذلك كله في العراق وغيره، ثم تستمر في المكابرة والإيحاء بأنها «منتصرة» في سوريا! من يعيد النظر (مضطراً في كل حال) بكل توجهاته العراقية ويقبل أن يقاسمه الآخرون «انتصاراته» هناك، ومن يرتضي التراخي في الموضوع النووي أمام القوى «الاستكبارية» ثم يرضى بذل دعوتها إلى العودة العسكرية إلى المنطقة بعد أن طحن الدنيا وما فيها من أجل إخراجها منها! من يفعل ذلك كله، ويعترف في المحصلة، بأن سياساته كانت خطأ، لا يستطيع تبعاً لذلك، الاستمرار في الادعاء أنه على صواب في سوريا!

السياسات التي أنتجت عودة ذلك «الوعي التسووي» إلى العقل الإيراني في شأن العراق والمحيط العربي والموضوع النووي، هي ذاتها لا تزال متّبعة في سوريا! فكم سيطول الوقت، وكم سيدفع العرب والمسلمون والسوريون من أثمان وويلات وكوارث أكثر مما دفعوه حتى الآن، قبل أن يُنهي ذلك العقل تلك الازدواجية؟! وقبل أن تعيد إيران اكتشاف فضائل «التسوية» وغلاوتها!