تضامنت الشاشات اللبنانية في نشرة موحّدة مع غزة ومأساة أهلها. بعضهم تمنى لو أنها تضامنت من أجل لبنان، واستذكر كيف ظلت كل منها تغني موّالها حتى في ظروف تاريخية مصيرية وحاسمة. بعضٌ آخر سأل لماذا هذا التضامن مع غزة أصلاً، إما لاعتراضه على سياسة “حماس” أو لأنه لم ينسَ ممارسات التنظيمات الفلسطينية في لبنان خلال الحرب الأهلية ولا تزال عالقة في ذهنه العبارة الشهيرة “الطريق إلى فلسطين تمرّ بجونية”.
وبعضٌ اعتبر أن ما يتعرض له مسيحيو العراق من ظلم وتنكيل يستحق هو أيضاً وقفة تضامن مع جماعة مسالمة فُرض عليها الاختيار بين الرحيل عن ديارها وترك كل شيء، أو التخلي عن معتقدها أو دفع الجزية أو الموت.
لكن كل هذه الاعتبارات تسقط أمام مبدأ أخلاقي يقضي بأن التضامن مع الحق واجب في غزة كما في العراق وسوريا ولبنان وأينما كان، لأن الإنسان إنسان والظلم هو ظلم. ولا شعب في الدنيا أكثر من اللبنانيين يعرف قساوة القصف الإسرائيلي وعدوان إسرائيل الذي أوقع مراراً مجازر في عائلاتهم، تماماً كما يعرفون أهوال الحروب الطائفية والمذهبية.
كنت أتابع عبر إحدى المحطات الأجنبية تحقيقاً عن الحرب ضد غزة ولفتني تقرير تضمن مشاهد للحدود، وحديثاً مع إسرائيلي يسكن قرب الخط الفاصل وآخر مع فلسطيني يسكن في الجهة المقابلة. أبرز التقرير التشابه في مخاوف كل من الرجلين على أولاده ومستقبله، ورغبة كل منهما في السلام. قال الفلسطيني إنه كان يعمل في الجهة الأخرى قبل أعوام ولا يستوعب كيف تحولت المنطقة التي يعمل فيها مصدر تهديد له ولعائلته يومياً، ولأي سبب حصل ذلك. فقبل الأرض والوطن والعلم، الإنسان إنسان ومخاوفه وتطلباته تتشابه.
وهو بلا شك كان ينطق بالحق. فالحروب والخراب والدماء لا تولد إلا حروباً ودماء وخراباً. ومن يدّعون أنهم يشنون الحروب من أجل إرساء الأمن والسلام هم في طليعة أعداء الامن والسلام.
واليوم كما كل يوم، يتقدم الإنسان وحقوقه في العيش الكريم وحرية المعتقد والأمن والسلام أي اعتبار آخر. وتستحق هذه الحقوق وقفة تضامن معها ودفاع عنها. من هذا المنطلق التضامن مع غزة واجب وأيضاً مع ضحايا المجازر والمضطهدين ولا سيما منهم مسيحيو العراق، كما مع أي قضية حق، وأيضاً مع بعضنا البعض كلبنانيين عند الضرورة، وكل مرة عندما تُنتَهك حقوقنا.
التضامن واجب مع كل أم تخسر ولدها أو تخاف عليه، ومن دون مزايدات أو وضع أولويات تجعل قضية أحق من قضية. فالظلم ظلم والوقوف في وجه الظالم ورفع الصوت ضده واجب!
المهمّ هو الوقوف بعضنا مع بعض كلبنانيين، ومع الآخرين عندما يقتضي الأمر. وتضامن وسائل الإعلام مع قضية غزة المحقة كان مشهداً جميلاً نأمل أن يتكرر من أجل كل قضية حق.