الحاصل الحق الذي لا يشوبه فاصل باطل هو أن السعودية تدعم الجيش اللبناني، وغيرها يدعم «جيشه» في لبنان. والسعودية تدعم الدولة في لبنان وغيرها يدعم دويلته في لبنان. والسعودية تدعم الشرعية في لبنان، وغيرها يدعم شارعه في لبنان. والسعودية تدعم محاربة الإرهاب في لبنان وغيرها يدعم ذلك الإرهاب ويصنّعه ويؤدلجه ويصدّره على شاكلة «فتح الاسلام» تارة و«داعش» تارة أخرى، وحمولات سماحة المملوك مرة والاغتيالات والتفجيرات مرّات ومرّات.
في الماضي والحاضر والآتي، يحكم التاريخ (وسيحكم) لتلك البلاد التي حباها الله بفرادة رسالته على أدوارها التي جاء عسس الممانعة الاسدية بكل نقيض لها: جاءت بالطائف وغيرها جاء بالقصير والقلمون وكل شبيه فتنوي تدميري عبثي تفتيتي. وجاءت بالمودّة الخالصة ورحابة الانتماء الجامع وغيرها جاء بالاحتراب وبلاغ الصدّ والضدّ والإلغاء والإفناء والعصبية العمياء وشقيقها التطرف المبصر. وجاءت صاغرة راضية بحقائق التنوّع اللبناني، وغيرها جاء بأوهام تحطيمها خدمة لذاتيته السياسية والمذهبية..
جاءت بسياسة الأبواب المفتوحة أمام كل قاصد رزق وأمان وراحة بال وهدأة حال وهم جاؤوا بكل أقفال الدنيا، ولم يتركوا باباً إلاّ وسكّروه. وشبّاكاً إلا وكسّروه. ومسماراً إلاّ ودقّوه. وسهماً إلا وأطلقوه. وذلك كله انطلاقاً من قاعدة انتهازية تفترض أن كل ما ليس مُلكهم هباء. وما ليس عندهم يباس. ومن ليس معهم عدو. ومن ليس مثلهم داشر ملعون. ومن لا ينطق ببيانهم الممانعاتي مشبوه رعديد يستحق كل وعيد وتجوز عليه كل مقوّمات الضنى وبكل مراتبها.
.. الواضح الحق الذي لا يشوبه فاصل باطل هو أن السعودية أعطت ولبنان أخذ، فيما غيرها أخذ ولبنان دفع ولا يزال ومن دماء أهله وبنيانه وعمرانه وريادته واستقراره ورخائه.
.. مذهلة ولا تفاجئ رسالة الدعم الجديدة للجيش والقوى الأمنية الشرعية التي قرّرها الملك عبد الله بن عبد العزيز وأعلنها الرئيس الحريري. فهي تؤكد أن شأن دعم لبنان أمر مستدام برغم جحود بعض أهله وافتراءاتهم المريضة، بل هو أمر صار يقارب البديهة التي لا تُناقش ولا تجادل: اليوم لمحاربة الإرهاب. وبالأمس لخدمة الجيش. وقبل الأمس لإعادة إعمار ما دمّرته اسرائيل في حرب 2006. وقبل قبل الأمس لإعادة تعمير ما دمرته الحروب الأهلية والاجتياحات الخارجية.. وقبل كل ذلك كان الطائف. ودائماً وأبداً كانت ولا تزال تلك «السياسة» التي تقول إن لا هدف للسعودية في لبنان إلا استقراره وأمنه وسلامه. وهي في كل حال، الدولة الوحيدة من وزنها، التي لم تبحث عن أمجادها وطموحاتها فوق أنقاض لبنان وعلى حساب دماء أهله. والدولة الوحيدة من وزنها التي لم تتلطّخ أياديها بنقطة دم لبنانية واحدة!
.. وللمفتري شأن آخر. لا يُجادَل ولا يُناقش عملاً بالبديهة القائلة إن الحقائق لا تُجادِل الافتراءات بل تُسكتها وتُسقطها!