Site icon IMLebanon

في الشرق وأيامه..

 

كم هي صعبة هذه الأيام.. واصعب ما فيها هو انعدام اليقين وانكساره، وشيوع الخرافة في زمن العلم، والتشويه في زمن الوضوح، واقتراب العدم من الريادة في مقابل انهيارات شتى لبديهيات البقاء والديمومة.

واليقين المهدور لا يختصّ بالسياسة والانتماءات بل بصدمة غيابهما. الاولى بافتراضها اخذت في العقدين الاخيرين مكانها المرموق: صنو الاقتصاد وفوق الايديولوجيا والتعليب والشمولية الفكرية، فاذ بها هباء منثوراً.. والثانية بافتراضها ولاّدة انشاءات حداثية فاذ بها تشدّ القطار الى الخلف وتحيله جرافة تمسح العوائق امام مسيرة الكسر والاخضاع والرفض والنفي بمراتبه الذاتية والعامة والوضعية والسماوية سواء بسواء.

والخرافة المتمددة تأخذ من النصّ الديني رحابته ولا تعطيه الا المثالب والتشويه. تذهب في التيه والشطط الى آفاق ما كانت محسوبة الاّ عند الطغاة والعدميين والمتآمرين «الاشاوس» الذين لا يعوّفون طريقة ولا اسلوباً ولا نصّاً ولا مجزرة ولا جريمة ولا ارتكاباً ولا فتنة من اجل تبرير سلطتهم واستبدادهم وارتكاباتهم.. والمفارقة في الانتشار والوصول والقبول! وان كان ذلك كله نسبياً وجزئياً وخارج السياق العام ممارسة ورأياً وفكراً. لكنه رغم ذلك يبقى شيوعاً وانتشاراً غريبين في عالم اليوم وتقنياته وحداثته وعلومه وانجازاته وفتوحاته المستحيلة والآخاذة!

والتشويه سليل ذلك الشيوع وتلك الخرافة. والاصل فيهما والفرع فيه وفي تفاصيله. وتلك لا تني تفاجئ وتقدّم يوماً تلو آخر، «مستجدات» قديمة بأدوات حديثة. تعود الى الوراء لكن لا تعود وحدها، بل تأخذ معها عوالم ظلّت عصية على الزمن والجغرافيا وما كان الظن انها ستندحر امام كل هذا الابتذال والخزي!

.. ان تؤدّي «داعش» ذلك الفصل من طلاسمها مع المسيحيين في الموصل، وقبلها في الرقّة وكل منطقة سرحت فيها وتحكمت، فذلك أمر يفوق الحساب السياسي والامني والعسكري و«التآمري» ولعب الاستخبارات والعوالم السفلية.. هو أمر يدخل فيه اليقين المنكسر كأحد انجازات واختراعات تلك القوى الشيطانية التي أباحت في زمن العولمة ووسائط ووسائل التواصل الاجتماعي، ممارسات قروسطية من دون رادع او صادٍّ يردعها او يصدّها.

وللبديهة القائلة بأن الحداثة تعدم العدم، «شرف» الريادة في هذه المناحة، وهي التي مُسِحّتْ بالأرض وتآخت مع كل هذا الموت حتى تكاد تحيل هذا الشرق، مقبرة ليست إلا!

.. ما تفعله اسرائيل في غزة، و«داعش» (المفترضة) في العراق، وبشار الاسد في سوريا، والممانعة بالعرب والمسلمين لا ينفصل سوى في عناوينه وأشكاله لكن جذره واحد: عَدَمٌ حارق. جغرافيته واحدة وهوية ضحاياه واحدة.