دخل اللبنانيون والعرب مع الثقافة السياسية المعتمدة من قبل «حزب الله»، في طور لغوي جديد.. قبل الآن، منذ فجر اللغة والتاريخ اللساني لأمّة العرب، كانت المصطلحات تدلّ على المعنى المباشر المقصود حرفيًّا وإن كان بصيغ متعددة، لكن ولا مرّة كانت تدل على عكسها تماماً بتاتاً.
اليوم اختلف الوضع، وسجّلت الثقافة المسلحة الراهنة فتحاً غير مسبوق: صارت اللغة مسلّحة. وصار استخدامها وليد ذلك التسليح وليس وليد طبائع الناس والأشياء ومظاهر هذه الدنيا. بحيث إن «المقاومة» صارت تعني قتل الشعب السوري! و«التوافق» المطلوب على رئيس الجمهورية اللبنانية يعني الإذعان لموقف «حزب الله» وحده! و«الاستقرار» الأمني والاجتماعي يعني الرضوخ لسلاحه! و«الانتخابات» تعني بشار الأسد! و«الديمقراطية» تعني السلطة الأسدية! و«الحل السلمي» في سوريا يعني التسليم والاستسلام والكفّ عن مواجهة الطغيان.. وغير ذلك الكثير من الغرائب المنسوجة على النول ذاته!
ومعضلة اللغة هذه هي جزء من معضلة الاشتباك السياسي الضاري المفتوح مع الحزب وممارساته وأدائه. وهي في عمقها، لا تؤشر الى لغتين في الشكل وحسب، بل الى نمطين تفكيريين يختلفان جذرياً: نمط مقيم على عاديات الحياة والاجتماع المديني الطبيعي والمعايشة البشرية وتفاصيلها. ونمط اسقاطي يفترض أصحابه أن تخمة جبروتهم تمكّنهم من تطويل كل تلك المعطيات الفطرية والمكتسبة على حدّ سواء، وذلك من خلال استخدام العنف واعتماده كأسلوب وحيد، وبكل مراتبه. أي اللفظي (اللغوي) والحسّي والسلاحي المباشر.
ليس تفصيلاً عابراً الاستنتاج الكئيب القائل بجذرية الاختلاف الذي نما وكبر وشبَّ ونضج بين «ثقافة حزب الله» وغيره من اللبنانيين والعرب!
وليس تفصيلاً عابراً بدوره الاستنتاج الأكثر كآبة القائل إن الحزب غير آبه أو مهتم أو معني! أو «فارقة معه» وصول الأمور الى تلك المحطة الافتراقية! بل الأكثر فظاعة ومدعاة للدقّ على الصدور والتطلّع صوب السماء وربّ العالمين، هو الاستنتاج القائل بأن ذلك السياق مقصود بالتمام والكمال! وأصحابه يحرصون على إبقائه مستقيماً لا تعرقل السير عليه ولا مطبّات فكرية أو ثقافية أو تراثية أو دينية أو أخوية أو وطنية أو قومية!!
.. في لغة العرب، إن من انتشى داخ. لكن نشوة السلاح توصل الى أبعد من ذلك بكثير.. جداً.