Site icon IMLebanon

في انتهاز «داعش»

 

بشحطة قلم واحدة قرّر النائب ميشال عون أن مصير المسيحيين في الشرق مرتبط بوصوله هو شخصياً إلى رئاسة الجمهورية! وبشحطة عشرة أقلام أخرى، قرّر أن محاربة «داعش» لا تتم وتُنجز إلا بتعديل الدستور اللبناني، وتقسيم اللبنانيين إلى طبقتين تنتجان معادلة توصله حكماً (وطبعاً!) إلى طبقة كرسي الرئاسة في بعبدا.

قبل الآن بقليل، كانت الماكينة التبليغية الممانعة (ولا تزال) تعمل بدأب تسويقي تشويقي مبتذل على إشاعة خبرية ارتباط مصير المسيحيين.. مصيرهم كله في الشرق دفعة واحدة، ببقاء بشار الأسد في منصبه!

.. خطر «داعش» داهم وكبير، لكن وظيفته مقننة. وإسناد المنطق ببعض الفصاحة يوصل إلى القول إن وظيفة تلك الطلاسم الظلامية والعدمية محدّدة بهدفين مركزيين ومترابطين. الأول موضعي متصل بتخريب ثورة السوريين وتأكيد مقولة سلطة الأسد منذ الأيام الأولى بأنها تواجه عصابات ارهابية تكفيرية وليس حراكاً جماهيرياً هادراً وفعلياً. والثاني أشمل وأكثر شيطنة وخبثاً متصل بإحالة كل ما يحصل من رزايا ومثالب وفظاعات، إلى خلفية مذهبية محدّدة، حتى وان كانت هذه هي اكثرية المسلمين الكاسحة!.

وعدا عن الوقائع التي تفيد بأن تلك الجماعة لم تفعل شيئاً فعلياً سوى ذلك المؤدي إلى ترسيخ الوظيفتين الاساسيتين المذكورتين، فان حدود وظائفها الفرعية الاخرى لا تتعدى تركيب مناخ رعب يفيد كل مستثمر يريد ترويج بضاعته السياسية والدخول إلى تلك السوق البلا أخلاق!

بهذا المعنى يستطيع صاحب الطموح الرئاسي الجموح في لبنان (مثلاً) أن يستفيد من مناخ تنظيم «داعش» لتوليد خطر الترهيب، وتغليف صغائره بكبائر ذاك! مثلما فعل نوري المالكي في بغداد، سوى ان الفرق بين الحالتين هو ذاته الفرق بين الواقع والافتراض. أي بين الارض والسماء السابعة، لا اقل ولا أكثر!

وهذا على هامش الموضوع. أما في متنه، فإن المعيب والمخزي ان يعمد كل انتهازي رخيص إلى اعتبار مصير المسيحيين في الشرق جزءاً من عدّة وصوله! وأن يوظّف ذلك على الطالع والنازل في كل محطّة حسّاسة من محطات برنامجه! وان تصل الهلوسة عنده إلى تلك الحدود التخريبية المفتوحة!

المسيحيون في الشرق قبل المسلمين. ووجودهم فيه لم تقوَ عليه اهوال التاريخ على مدى ألفي عام. بل هم الجزء الشرطي لبقاء هذا الشرق وأهله، بكل حسناته ومثالبه، وأفراحه وأتراحه وطلعاته ونزلاته! وعار لا يوازيه عار، أن يفترض تجّار السياسة الرخيصة والحروب المحرمّة، أن مصير هؤلاء معلّق على مصير طاغية مستبد وعابر مهما طال زمنه! او على طموحات ونزوات مسترئس أعماه جموحه!

.. في كل الحالات: شكراً فادي كرم.