Site icon IMLebanon

في مهبّ التدويل

 

وضَعت إجتماعات باريس حدّاً لـ»مسرحيّة» لبننة الإستحقاق الرئاسي. محليّاً كان المشهد رتيباً، والأداء سيّئاً، واكتشف «الأصدقاء» أنّ اللبنانيين عاجزون عن إختيار رئيسهم، ولا بدّ من التدويل، وهذا له حساباته.

لعبة المصالح لا تعترف بالصداقات بل بالتسويات، والتسويات لا تقتصر على الأشخاص بل على المشاريع، ولا يكفي أن يقال إنّ الإختيار الدولي وقع على

فلان، بل تقتضي الحكمة البحث عن المشروع والخلفيات، وما يُرتب من أجندات يتوجّب على مَن تقع عليه القرعة أن يجهد على وضعها موضع التنفيذ.

ينتظر اللبنانيّون تفاهماً إيرانيّاً – سعوديّاً «يُنتج» رئيساً، إلّا أنّه إذا حصل، سيبقى ناقصاً، ولا بدّ من تفاهمات أميركيّة – روسيّة – دوليّة، لأنّ لبنان مجرّد ساحة، والساحة تحوّلت ملعباً لنزاع المحاور، وإذا غيّمت في كييف، يمكن أن تمطر في بيروت، ومع ذلك يبقى للتفاهم السعودي – الإيراني نكهة خاصة عند قوى «8 و14 آذار».

تمكّنت مجموعة (5 +1) من إقناع إيران بجدوى المفاوضات، وتمكنت طهران من إقناع المتشدّدين بجدوى رفع العقوبات. ما تحقق لا يُستهان به، لكنّ مرحلة إكتشاف الآخر لم تنتهِ فصولاً بعد. الشكوك لا تزال متبادلة، وإختبار الثقة يخضع لإمتحان متواصل ومُكلِف. مسار تطبيع العلاقات طويل، لكنّ طهران بدأت تتنفس الصعداء، بدايةً رفع العقوبات تحتسب في خانة الإنجازات المهمة التي حقَّقتها حكومة الرئيس حسن روحاني حتى الآن، هناك إنفراجات بدأت تبدد الضائقة الإقتصاديّة المعيشيّة، والتغيير الإيجابي بات ملموساً، ولكنّ عمليّة التطبيع طويلة ومعقّدة.

تموز موعد إفتراضي لإبرام الإتفاق، قد ينحصر النص بالبرنامج النووي، وطريقة تدجينه، لكنّ الخلفيات تبقى الأهم، إنها تتّصل بدور إيران في المنطقة من العراق، الى سوريا، الى لبنان، وصولاً الى الخليج. تطبيع العلاقات مع مجموعة (5+ 1) لا يمكن أن يمرّ بغفلة عن السعوديّة. إنها خط أحمر نفطي إقتصادي إستراتيجي للأميركيّين والأوروبيّين، وتطبيع العلاقات الإيرانيّة – الأميركيّة لا يمكن أن يتم إلّا بعد تطبيع العلاقات مع السعوديّة. صدرت كلمة السّر، ووجّه الأمير سعود الفيصل دعوة الى نظيره الإيراني، وعندما يحين موعد لقائهما تكون المحادثات السعوديّة – الإيرانيّة قد قطعت شوطاً بعيداً في إرساء الأسس التي ستستند اليها مقاربة سائر الملفات.

إجتمع وزراء خارجيّة دول أصدقاء سوريا في لندن، وقرّروا تزويد المعارضة المعتدلة السلاح، وعدم الإعتراف بشرعية الإنتخابات التي ستجرى في 3 حزيران. واختصر وزير الخارجيّة البريطاني الموقف بالقول «إنّ أحداً لن يخرج منتصراً في سوريا». الرسالة واضحة، على لبنان الذي يضيق صدره أن ينتظر كثيراً من النزوح والتداعيات، لأنّ القتال سيستمر، والمواجهات، والمعاناة، ولا حلول في الأفق.

قد يكون من المهم جدّاً معرفة إسم الرئيس، لكن يبقى الأهم معرفة حجم التسوية التي ستأتي به. لا أحد يُعطي مجاناً، والدول ليست جمعيات خيريّة، وعند إنتخاب الرئيس، وبعد أدائه القسم يبدأ حك الرؤوس: ماذا عن ملف النزوح وكيف يمكن مقاربته للتخفيف من وطأة تداعياته؟ كيف يمكن مقاربة ملف التوطين وسط تواطؤ دولي مع إسرائيل برفض حق العودة؟ كيف يمكن معالجة سلسلة الرتب والرواتب وتجنيب البلاد خطر الإنهيار المالي والإقتصادي في ظلّ الواقع المأزوم؟ ولا أحد يريد أن ينسى السلاح اللّاشرعي ودويلاته ومربعاته، ولا إمتداد تداعيات المأزق السوري وكلفته. أسئلة بحجم الألغام، وكلّ لغم يمكن أن يفجّر بلداً، فكيف إذا إجتمعت كلّها في لبنان؟ جميل أن يختار لنا «الأصدقاء» رئيساً، والأجمل أن يكون قادراً على إدارة الأزمة، لا أن يكون شاهداً على تغييرٍ يريده البعض ويسعى اليه تحت عنوان أيّ نظام للبنان، وأيّ دور وموقع على خط الزلزال الذي يضرب المنطقة من أقصاها حتى أقصاها.