يرى مرجع سياسي لبناني ان غزة لم تكن يوما مشكلة، بل هي أكبر من ذلك بكثير، كانت ولا تزال وستبقى وجهاً لقضية، هي قضية فلسطين، التي هي قضية العرب المركزية، بل قضية العالم أجمع، ويقول إن معركة غزة الجديدة، وبكل المجازر التي يرتكبها العدو الصهيوني تاريخيا بحق المدنيين والنساء والشيوخ والاطفال، جاءت لتذكّر العالم بأن قضية فلسطين لم تمت، لقد قُسّمت فلسطين بقرار دولي جائر عام 1947 وخسر العرب معركة فاصلة وإن غير نهائية، في التصدي للغزو الصهيوني عام 1948، وبقيت فلسطين بعد 67 عاما هي القضية. واللاجئون الذين يفتقدون أبسط مقومات الحياة الطبيعية والمنتشرون داخل فلسطين المحتلة كما في المخيمات في الدول العربية المجاورة في لبنان والأردن وسوريا، إنما يختصرون في مأساتهم الطويلة قضية فلسطين، وكل الحروب التي شنتها الدولة العبرية الغاصبة على لبنان: في عام 1978 وفي الاعوام 1982 و1966 و2006، وكل الاعتداءات التي نفذتها ضد أهداف لبنانية برا وبحرا وبرا عبر السنوات الماضية، كانت كلها من تداعيات قضية فلسطين، والمجازر التي ارتكبتها الدولة العنصرية في دير ياسين وكفرقاسم منذ 66 عاما وفي قانا وغزة وسواها، كلها بفظائعها الرهيبة ترمز الى قضية الانسان في فلسطين، وها هي الحرب الجديدة على غزة خير شاهد.
ويشير المرجع الى ان الصمود اللبناني في مواجهة العدوان الاسرائيلي عام 2006 كان مشرفا، وها هو صمود غزة منذ العدوان الاخير عليها عام 2009 لا يزال مستمرا ومدعاة فخر واعتزاز للعرب أجمعين، ويلفت إلى انه ما كان احد منا يفكر للحظة واحدة ان المقاومة الوطنية اللبنانية او الفلسطينية في غزة يمكن ان تحتل تل ابيب او تستعيد حيفا او يافا، بل كان مجرد الصمود وعدم الاستسلام امام العدوان الوحشي هو الانتصار بعينه. كانت المعطيات في لبنان صعبة وعصيبة للغاية، لكنها في غزة تبدو اشد صعوبة وحرجا، فهي لا تتمتع بالعمق الجغرافي الذي كان للمقاومة اللبنانية، غزة بقعة من الأرض مطوقة من جوانبها الأربعة وتكاد تختنق تحت وطأة حصار محكم، أما الجبهة في لبنان فكانت وراءها مساحة لبنان على مدى عشرة آلاف كيلومتر، كما كانت الحدود السورية مفتوحة امام طريق الإمداد. ويرى ان ما يُستخلص من التجربتين في لبنان كما في غزة أن مسألة الاستراتيجية الدفاعية التي كانت ولا تزال تشكل محور نقاش واسع ومتشعب في لبنان، بدا كأنها حسمت، فالجيوش العربية النظامية تشكل قوة يُعتدّ بها وينبغي تعزيزها بكل الوسائل المتاحة لمواجهة اي عدوان اسرائيلي، وهذه الجيوش، بفضل الدعم الاميركي غير المحدود لاسرائيل، لا تمتلك ما يمتلكه الجيش الاسرائيلي من ترسانة عسكرية هائلة، لذلك يمكن القول ان اي سياسة او استراتيجيا دفاعية تصاغ من الجانب العربي ينبغي ان تكون المقاومة في صلبها، بمعنى إعادة النظر في بنية الجيوش النظامية واساليب تحركها تصديا للعدوان، بحيث يكون لها وجه المقاومة وفعلها، ناهيك بأن الرابط يجب ان يكون واضحا ومتينا ومنظما بين الجيوش النظامية وحركات المقاومة، على الوجه الذي يضمن التكامل والتعاون والتواصل في كل الاوقات.
ويتابع المرجع قراءته للحرب على غزة فيقول: “لنضع الامور في نصابها. العدوان الاسرائيلي على غزة عام 2009 نفذ بضوء اميركي واضح، ويبدو كذلك اليوم. والاسلحة التي تستخدمها اسرائيل في عدوانها الهمجي وفي المجازر التي ترتكبها هي من آخر ما توصلت اليه التكنولوجيا الحربية الاميركية وبتمويل من الادارة الاميركية. أليس من الطبيعي والحال هذه ان نتوجه بشكوانا الى واشنطن؟”. ويقترح على كل دولة عربية استدعاء السفير الاميركي في عاصمتها وابلاغه الاستنكار العربي الصارخ والاحتجاج الكبير على ما يجري في غزة من مآس وفواجع انسانية متمادية يرتكبها الجيش الاسرائيلي بقرار حكومي فاضح. واذ يرى ان المطلوب من الدول العربية ومن العالم العربي اجمع وقفة مسؤولة الى جانب الحق ضد العدوان الاسرائيلي الوحشي، فإنه يلاحظ ان المواطن العربي لا يستطيع ان يفهم سببا لعدم انعقاد قمة عربية طارئة منذ اللحظة الأولى للعدوان، دعما للشعب الفلسطيني الذي يسطّر أروع آيات الصمود في وجه آلة الدمار والقتل الاسرائيلية، في حرب ضروس غير متكافئة بين شعب مناضل متشبث بأرضه وكيان مدجج بأحدث الطائرات الحربية والصواريخ العابرة لكل القيم والمعايير الدولية، وهذه الحرب بكل تداعياتها لن تتوقف إلا بحل عادل، ولهذا الحل عنوان: حق الفلسطيني في أرضه!