Site icon IMLebanon

قراءتان لـ»حزب الله» في موقف كيري ولا رئيس ولا «سلسلة»

سارَع «حزب الله» إلى تلقّف الموقف الذي أطلقه وزير الخارجية الأميركي جون كيري، والذي دعا فيه «روسيا وإيران و»حزب الله» للخوض في جهود حلّ الأزمة السوريّة»، فرحّب باعتراف كيري «الرسمي والقانوني به»، من دون أن يغفل الوجه الآخر لهذه الدعوة المتصل بتحميل هذه الأطراف مسؤولية إطالة أمَد الأزمة السوريّة. ولكن مجرد وصف «حزب الله» كلاعبٍ بمستوى موسكو وطهران، والتخَلّي عن اعتباره منظّمةً إرهابية، يُعتبر، بالنسبة إليه، تطوّراً مهمّاً يستحقّ المتابعة، خصوصاً أنّه حصلَ مع تقدّم المفاوضات الغربية مع إيران حول ملفّها النووي. وفي موازاة ما حملته زيارة وزير الخارجية الأميركي من رسائل ومؤشّرات، عاد الاهتمام بقوّة إلى الملفات الداخلية مع اقتراب جلستي انتخاب رئيس الجمهورية الاثنين، وسلسلة الرتب والرواتب الثلثاء، وما تسرَّب عن اللقاء بين البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي ورؤساء المؤسسات المارونية الثلاث: المجلس العام الماروني، المؤسسة المارونية للانتشار، الرابطة المارونية، والذين أطلعوه على نتائج لقاءاتهم مع الأقطاب الموارنة، حيث جدّد الراعي التأكيد أنّه «لا يقبل التأخّر بانتخاب رئيس جديد»، مُبدياً غضبَه الشديد من جرّاء مقاطعة جلسات الانتخاب.

فيما استمرّت ردّات الفعل الدولية والإقليمية والمحلية على الإنتخابات الرئاسية السورية التي سخرَ كلّ من الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط من نتائجها، بينما أكّدت المعارضة السورية استمرار ثورتها، انشغلت الأوساط السياسية بقراءة أبعاد زيارة وزير الخارجية الأميركية جون كيري إلى بيروت وأهدافها وتوقيتها ومواقفه التي لا تزال أصداؤها تتردّد بنحو واسع، في وقت أعادت السفارة الاميركية في بيروت نشرَ تصريحه بعد لقائه رئيس الحكومة تمّام سلام أمس الأوّل.

«حزب الله»

ونفَت مصادر مُطلعة على موقف «حزب الله» لـ«الجمهورية» وجود اتصالات بين الحزب والأميركيين. وقالت إنّ زيارة كيري إلى بيروت كان الهدف الأساسي منها التركيز على الاستقرار في ظلّ المرحلة الراهنة غير الواضحةِ المعالم، فالموضوع السوري لا يزال متقدّماً على الموضوع اللبناني. وإذا ربطنا هذه الزيارة والتصريحات التي صدرت خلالها بالخطاب الأميركي الاخير للرئيس باراك اوباما نلاحظ انّ الاميركيين ليس لديهم خطة واضحة تجاه الوضع برُمّته، خصوصاً الموضوع السوري.

وتعليقاً على دعوة وزير الخارجية الاميركية جون كيري كلّاً من روسيا وإيران و»حزب الله» إلى الإنخراط بالجهود المشروعة لإنهاء الحرب في سوريا، أجرت المصادر قراءتين حيال هذه الدعوة : إحداها سلبية والاخرى إيجابية:

ففي الوجه السلبي يعتبر كيري انّ الاطراف التي سمّاها تتحمّل مسؤولية استمرار الأزمة السورية، وهو يدعوها الى التصرّف بما يضع حدّاً لها، أي إنّه يرمي أسباب الأزمة واستمرارها على عاتق الجهات التي سمّاها، وبالتالي يتنصّل هو وكلّ من يسمّي نفسَه أصدقاء سوريا من مسؤوليتهم عن الأزمة وإطالة أمدها من خلال الإصرار على تسليح المعارضة.

أمّا الوجه الإيجابي، فهو أنّ مطالبة كيري «حزب الله» بلعبِ دورٍ هي اعتراف رسميّ وقانوني به».

تقدّم المفاوضات النوَوية

وأكّدت المصادر نفسها حصول تقدّم في المفاوضات النووية التي تجريها ايران مع مجموعة 5 +1، وأعربت عن اعتقادها بأنّ هذا التقدّم سيشكّل مفتاحاً لكثير من التطوّرات في المنطقة، بما فيها الحوار الايراني ـ السعودي، ما ينعكس إيجاباً على سائر ملفات المنطقة، بما فيها الملف اللبناني، ولكن ليس بين ليلة وضحاها، بل على المدى المتوسط».

وأشارت المصادر الى أنّ زيارة امير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح الى طهران منذ ايام عدّة ما كانت لتحصل لو كانت هناك ممانعة سعودية لحصولها، والدليل هو الإشادة بهذه الزيارة التي صدرت عن مجلس التعاون الخليجي بعد لحظات على انتهائها.

ودعت المصادر أخيراً إلى عدم التوقف عند تفاصيل الدعوات السعودية الى طهران وعدم تلبيتها، وقالت في المبدأ إنّه في مكان ما بدأ الحوار السعودي ـ الايراني، لكنّ نتائجه تبقى في مدار التكهّنات.

تعليق موسكو

وفي السياق، اعتبرَ السفير الروسي ألكسندر زاسيبكين أنّ تصريح كيري عن دعوة روسيا و»حزب الله» وإيران الى وضع حدّ للنزاع في سوريا هو «غير مفهوم مئة في المئة، فإذا كان المقصود الدعوة الى التعاون في إطارعملية جنيف للوصول الى التسوية السياسية فهذا شيء ايجابي، امّا إذا كان المقصود تحميل الأطراف المؤيّدة للمعارضة المسؤولية الى روسيا وإيران والحزب فهذا شيء آخر، لأنّنا نعتبر أنّ المسؤولية الأولى لمن يموّل ويسلّح المعارضة، امّا المسؤولية المشتركة فهي دفع الأمور في اتجاه التسوية السياسية».

جولة هيل

في هذه الأثناء، واصلَ السفير الأميركي دايفيد هيل جولاته على عدد من المسؤولين اللبنانيين وأطلعهم على اجواء المحادثات التي أجراها كيري في بيروت امس الأول. فزار في هذا الإطار كلّاً من الرئيس نجيب وميقاتي، وجنبلاط في كليمنصو الذي استبقاه الى مائدة الغداء ورئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة.

موقف فرنسي

في غضون ذلك، أملت باريس في أن «يختار اللبنانيون رئيسهم في أقرب وقت ممكن ضمن المهلة الدستورية، وأن يكون الخيار لبنانياً بحتاً».

وقال السفير الفرنسي باتريس باولي من الجنوب: «إننا نؤيّد انتخاب رئيسٍ للبلاد في إطار القوانين والإستحقاقات الدستورية الرئاسية، ونبذل جهدنا في هذا الشأن ليكون اختيار الرئيس لبنانياً، ومن جانبنا، لا نتبنّى أيّ مرشّح رئاسي».

الأمم المتحدة

وشدّدت الأمم المتحدة بلسان منسّقها الخاص في لبنان ديريك بلامبلي على ضرورة انتخاب رئيس جمهورية جديد في أسرع وقت ممكن. وأكّدت دعمها حكومة سلام وأهمية قدرتها وفقاً لأحكام الدستور على معالجة التحدّيات التي تواجه لبنان والعمل عن كثب مع شركائه خلال هذه الفترة .

عودة: لبنان في مأزق

إلى ذلك، اعتبر متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة أنّ «وطننا اليوم في مأزق كبير لأنه جسمٌ بلا رأس، والرأس هو الذي ينسّق عمل الأعضاء في الجسم ويوجّهها، وهو ضروري من أجل انتظام عمل الجسم كلّه. وسأل: أيّ بلد يحترم نفسه يرضى بأن يبقى بلا رئيس؟ وأيّ مجلس نيابي يحترم واجبه يتقاعس عن انتخاب رئيس؟ وأيّ شعب واعٍ لا يحاسب من يتقاعس عن القيام بواجبه أو يعرقل سيرَ عمل الدولة؟ وطننا بحاجة إلى أبناء أمَناء يُغلّبون مصلحته على مصلحتهم، ويعملون من أجل وحدته وحريته واستقلاله، من أجل ازدهاره وتطوّره ونموّه، من أجل أن يكون وطناً يفتخرون به ويحلو لهم العيش في ربوعه.

ترتيب البيت الداخلي

وفي أجواء الشغور الذي بدأ منذ 25 شهر أيار الفائت، والشلل الذي بات يتسلل الى العمل الحكومي بعد العمل التشريعي، انهمكَ المسؤولون في ترتيب بيتهم الداخلي عبر تنظيم عمل مجلس الوزراء، للحفاظ على التماسك الحكومي في وجه التحديات الماثلة امامهم، خصوصاً أنّ البلاد مقبلة على إضراب عام وشلل إداريّ ابتداءً من الإثنين في التاسع من حزيران الجاري، ما لم يقرّ مجلس النواب مشروع سلسلة الرتب والرواتب من دون تجزئة أو تقسيط، في وقت يبقى مصير الطلاب معلّقاً، والإمتحانات الرسمية في مهبّ الريح، رغم إعلان وزير التربية الياس بو صعب امس أنّه «ليس في وارد تأجيلها مجدّداً.

عين التينة

وكانت عين التينة ظلّت محور الحراك، إذ قصدها رئيس الحكومة تمام سلام، بعد اقلّ من 24 ساعة على اجتماعه مع كيري، وزيارة رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون الى رئيس مجلس النواب نبيه بري.

وعلمت «الجمهورية» انّ برّي وسلام استكملا في جانب من اللقاء البحث في العوائق التي حالت دون التفاهم حتى اليوم بين مكوّنات الحكومة على طريقة مقاربة آلية تنفيذها صلاحيات رئاسة الجمهورية التي أنيطت بها وكالةً في ظلّ الخلافات التي استشرت بين فريقين استقطبا طرفي الخلاف حول حجم وآلية تطبيق هذه الصلاحيات وحدودها.

ولم يتمّ التوصل الى صيغة موحّدة على الرغم من أنّ برّي بات أقرب الى النظرية التي ينادي بها سلام لجهة السعي الى التوافق بين اعضاء الحكومة وحصر التواقيع على المراسيم بتوقيعي رئيس الحكومة والوزير المختص، إضافة الى توقيع وزير المالية في شكل ظهرَ فيه تمايزه عن موقف وزيرَي «حزب الله» اللذين ضمّا صوتيهما الى الموقف الذي يترجمه أكثرية الوزراء المسيحيّين، خصوصاً وزراء الكتائب و»التيار الوطني الحر» و»الطاشناق» الذين ينادون بتكرار تجربة الرئيس فؤاد السنيورة لجهة جمع تواقيع الوزراء جميعها على كلّ المراسيم، كما تلك التي وقّعها 17 وزيراً أيام السنيورة على كلّ مرسوم قبل نشره.

وأطلعَ برّي سلام على نتائج اجتماعه المطوّل مع عون، وعدم تمكّنه من تغيير موقفه من موضوع توقيع الـ 24 وزيراً على كلّ المراسيم والقرارات التي ستصدر عن الحكومة.

وقالت مصادر سلام لـ»الجمهورية» إنّ الإتصالات التي يجريها لم تبلغ مرحلة تسمح له بتحديد موعد لجلسة مجلس الوزراء المقبلة والتي ستكون مخصّصة لتكريس التفاهم حول هذه الآلية وحدودها. وأكّدت أنّه عندما يتمّ تحديد موعد الجلسة فمعناه انّ التفاهم قد تحقق، وإلّا ستكون الجلسة التي عُقدت الثلاثاء الماضي هي الثانية والأخيرة في مرحلة الشغور، الى مرحلة لا يستطيع أحد التكهّن بها.

ولفتت المصادر الى انّ البحث تناول التحضيرات الجارية لجلستي الانتخاب الإثنين المقبل، والتشريعية الثلاثاء، واللتين لم تصلا الى ما يوحي باكتمال النصاب. فالتفاهم على رئيس جديد ما زال بعيداً، وكذلك بالنسبة الى تحديد حجم موارد سلسلة الرتب والرواتب وشكلها. فالاتصالات التي جرت ما زالت دون مستوى التفاهم حولهما والمخارج الممكنة.

وأكّدت المصادر انّ الرئيسين متفاهمان حول ملفات عدة، لكنّ الإجماع الوطني ما زال مفقوداً.

بو فاعور

بدوره زار وزير الصحّة وائل ابو فاعور، موفداً من جنبلاط، برّي، وأكّد أنّ الإخفاق في مسألة الرئاسة يجب ألّا يقودنا الى إخفاقات أخرى وتعطيل مؤسسات أخرى، وتحديداً المجلس النيابي بوقف التشريع، ومجلس الوزراء بوقف تسير شؤون الناس والدولة، لأنه إذا كان حصل ما حصل فعلينا ألّا نجعل هذا الشغور كرة نارٍ تتدحرج لتحرق بقيّة المؤسسات.

كتلة «المستقبل»

واعتبرَت كتلة «المستقبل» انّ جزءاً من عمل الحكومة الاساسي يكون في السعي الحثيث لتهيئة الاجواء والمساعدة على الإسراع في انتخاب الرئيس، وأكّدت أنّ عمل الحكومة يجب أن يستمر في إدارة شؤون البلاد، وأمامها طريق واضح مسارُه حدّدته المواد الدستورية المعنية، وبالتالي يتوجّب عليها الانطلاق في عملها لتسيير وتيسير شؤون المواطنين.

تدفّق النازحين

على صعيد آخر، لا تزال مشكلة تدفّق النازحين السوريين تتقدّم الاهتمامات. وأعلن بلامبلي من السراي الحكومي أنّ «مشكلة إقامة المخيّمات على الحدود اللبنانية ـ السورية أو داخل سوريا تتعلق بالموضوع الأمني، وهي مسألة كبيرة ولا أستطيع أن أكون متفائلا في هذا الوقت»، وأشار الى أنّ المفوضية العليا لشؤون اللاجئين تتابع هذا الأمر مع وزير الشؤون الاجتماعية والوزارات المعنية بقضية اللاجئين». وقال إنّ الأمم المتحدة تعمل مع الحكومة لـ»تقاسم الأعباء بطريقة أفضل ولتمكين الحكومة اللبنانية من السيطرة على الوضع».

قزّي

من جهته، دعا وزير العمل سجعان قزي الى معالجة انتشار النزوح السوري داخل الاراضي اللبنانية لئلّا نصل الى انفجار جديد. وطالب في كلمةِ لبنان التي ألقاها امام مؤتمر العمل الدولي في جنيف، في حضور وزراء 180 دولة عربية وأجنبية، الدولَ العربية والأجنبية باحترام التزاماتها المالية، لا تجاه لبنان تحديداً، بل تجاه النازحين السوريين في لبنان، وسأل عن مصير الاموال التي اقرّها مؤتمرا الكويت ومؤتمر الدول الصديقة المانحة للبنان في نيويورك وباريس. وشدّد على انّ لبنان لا يستطيع استيعاب هذا النزوح البشري الذي يشكّل 57 % من عدد سكّانه، فلا بنيتُه التحتية ولا اقتصاده ولا ماليته ولا مساحته الجغرافية ولا التوازن الطائفي ولا الأوضاع الأمنية قادرة على تلبية هذا الواجب الانساني، خصوصاً انّ هذا النزوح الكثيف يحمل معه أخطاراً امنية وسياسية على البلاد، نظراً الى امتداد الحرب في سوريا داخل الحدود اللبنانية وانقسام بعض المكوّنات اللبنانية بين مؤيّد للنظام السوري ومعارض له.