تنذر أزمة اللاجئين من سوريا بخطر غير محسوب على لبنان. يرزح الآن تحت عبء أكثر من مليون لاجىء سوري موثقين في سجلات الأمم المتحدة. يشكلون مع نحو ٣٥٠ ألفاً من الفلسطينيين أكثر من ربع السكان. يساهم بعض اللبنانيين في جعل لبنان دولة فاشلة تغص باللاجئين. يكاد كله يتحول مخيماً.
صار من الماضي الجدل حول الإنطلاقة السلمية للثورة السورية وتحولها تمرداً مسلحاً ثم حرباً أهلية. لم تعد تلك إلا واحدة من الخيبات المريرة لما يسمى “الربيع العربي”. وحدها تونس نجت حتى الآن من القحط واليباس. تعسكرت الإنتفاضة السورية لأسباب مختلفة. تمكن الرئيس بشار الأسد من التصريح بأنه يخوض معركة ضد جماعات إرهابية ومسلحة. أما معارضوه فيختصرون السنوات الثلاث الاخيرة بشعاري “الموت ولا المذلة” و”يا الله ما لنا غيرك يا الله”. الذين تعايشوا مع الأيام السود في لبنان يتذكرون كيف جذبت الحرب الى أرضه الخصبة – وتحت الشعارات المختلفة للنضال والثورة والكفاح المسلح – أسماء من كل أصقاع الأرض: كارلوس وماينهوف وأوكاموتو وشمران ومينوفيتش، الى آخرين من الفلسطينيين والسوريين والعراقيين والسودانيين وغيرهم. لا عجب إذا آمن المجاهدون بأن “الطريق الى الجنة تمر في سوريا”! ألم يعلن “حزب الله” أنه يدافع عن فلسطين في سوريا؟ ثمة من يعيد عقارب الزمن الى يوم أعلن صلاح خلف “أبو أياد” أن “طريق القدس تمر في جونيه”. أين هي الأرض المقدسة اليوم؟
الآن، تزداد الحرب الأهلية السورية ضراوة. ليس من المبالغة في شيء القول إن الحرب سنية – شيعية. يحصل المعارضون على مساندة معلنة من دول مثل السعودية وقطر وتركيا التي تطالب بتسليح المعارضة السورية وتمكينها من خوض مواجهة تحد من بطش النظام العلوي المدعوم بدرجة منقطعة النظير من محور تقوده ايران. سقط حتى الآن زهاء ١٥٠ ألف قتيل، ولا يزال كل من الطرفين يسعى الى تحقيق نصر عسكري مستحيل.
بلغت مأساة اللاجئين السوريين حداً مفزعاً. تدفق أهالي حمص وريفها وبعض سكان دمشق وريفها والقلمون والقصير الى أنحاء لبنان. تنتمي غالبية هؤلاء الى عائلات سنية تدرب رجالها على السلاح في الخدمة العسكرية الألزامية لدى الجيش السوري، فضلاً عن الحرب ذاتها. يعني هذا أن بين اللاجئين السوريين قوة عسكرية مقاتلة كامنة – طابعها سني – على غرار ما في المخيمات الفلسطينية. هؤلاء لن يعودوا على الأرجح قريباً الى مدنهم وبلداتهم وقراهم التي ساهم “حزب الله” مع القوات النظامية السورية في تدميرها من أجل “تحريرها”. سيزيدون ليس فقط الأعباء الإقتصادية والإجتماعية والإنسانية على لبنان، بل أيضاً الأخطار الناجمة عن اختلال التوازنات السنية – الشيعية في بلد هش تثار فيه النعرات الطائفية والمذهبية على كل مفرق طريق.
التداعيات البالغة الخطورة على لبنان توجب على كل الأطراف اللبنانيين، ومنهم “حزب الله”، البحث عن الطريقة الفضلى لإقامة مخيمات لهم في سوريا، أو على الأقل على حدودها.