Site icon IMLebanon

كتاب مفتوح إلى الرئيس سعد الحريري: عودتك عبر بوابة عرسال ضرورة لحماية لبنان

كتب المحرر السياسي:

لبنان بلا رئيس للجمهورية، لليوم الرابع والسبعين على التوالي.

لكن ملف الشغور الرئاسي تراجع إلى الخلف وغاب خلف غبار معركة عرسال، ليتقدّم الاهتمامات تحدي الإرهاب الذي يقفز فوق الرئاسة ليطال كل الجمهورية، بشعبها ومؤسساتها.

ولأن الخطر الداهم هو بهذا الحجم والاتساع، لا ينبغي أن تكون المواجهة ضده كلاسيكية، وبالتأكيد هي ليست عسكرية فقط، مع كل التقدير للتضحيات التي يقدّمها الجيش في معركة عرسال.

ما يحتاج إليه لبنان بالدرجة الأولى مظلة سياسية، من شأنها إذا توافرت، ان تشكل أهم «عتاد» للجيش الذي أكثر ما يعوزه في مواجهته المفتوحة مع الإرهاب هو الغطاء الوطني المتين.

ومظلة الحماية هذه، لا تصنعها البيانات والتصريحات والعواطف والقصائد مهما كانت صادقة وحارة، بل تُحيكها أولاً الخيارات الجذرية والقرارات الجريئة التي تتطلب رجالات دولة، لا رجال سياسة.

وأمام هذا المنعطف، تتجه الانظار بداية صوب الرئيس سعد الحريري الذي يبدو أمام فرصة تاريخية لإثبات جدارته الوطنية وإنتاج الزعامة الحقيقية التي تصنعها في العادة لحظات مفصلية، وفي هذه الظروف بضع ساعات تستغرقها مسافة الرحلة بين الرياض وبيروت.

نعم.. ماذا لو عاد الحريري إلى بيروت فوراً؟

ماذا لو خرج عن «النص» و«الدور»، وباغت الحلفاء والخصوم بما ليس منتظراً، بوجوده بين أهله، يعيش معهم لحظات الخطر، ويساهم وإياهم في دفع خطر التطرف وحرف الدين عن غايته السامية، من خلال توطيد الوحدة الوطنية والمساهمة في حماية الدولة بعنوان جيشها؟

ماذا لو أهمل نصائح بعض المستشارين ومراكز النفوذ من حوله، وقفز فوق كل الحسابات التقليدية التي ما تزال تجعله يتأنى في العودة؟

ماذا لو غلّب الضرورات الوطنية الملحّة على مخاوفه الأمنية المشروعة؟

إن هذه العودة التي تأخرت كثيراً، تبدو ضرورية اليوم أكثر من أي وقت مضى، مهما انطوت على مجازفة شخصية. ولا بأس، أن يبقى الحريري ملازماً مقره البيروتي إذا تطلبت الاعتبارات الأمنية ذلك، شأنه شأن القيادات السياسية الأخرى التي «تعايشت» مع التهديدات بالاغتيال، وقلصت تحركاتها الى الحدود الدنيا.

هذه المرة، لا يتعلق الأمر بصراع على السلطة او بخلاف حول الصلاحيات، او بمعركة انتخابية أو ما شابه.

ما يواجه لبنان حالياً هو خطر وجودي على المصير لا يحتمل معالجات موضعية او سطحية.

وبهذا المعنى، تصبح عودة الحريري واحدة من أبرز «الصدمات الإيجابية» التي تستوجبها مرحلة الحرب على الإرهاب ومشتقاته.

إن الإرهاب المتستر بالشعار الديني لا يُواجَه عن بُعد، ولا تنفع معه الخطابات العابرة للصحاري والبحار، ولو كانت منقولة مباشرة على الهواء.

إن استراتيجية إدارة الشارع والسياسة بـ«الريموت كونترول» لم تعد مجدية، ولا يجوز الاستمرار بها، ليس فقط لعدم جدواها في مقاربة الملفات الوطنية، بل لأن مردودها السلبي يطال أيضاً البيت الداخلي لـ«تيار المستقبل».

لا شيء يمكن ان يعوّض عن الوجود الحسي للرئيس الحريري بين اللبنانيين عموماً وبين أنصاره خصوصاً، يشاطرهم المخاطر والتحديات، ويتقدمهم في تحمل المسؤوليات والأعباء، فهذه هي سمات الزعامة الحقيقية.

لا الوكلاء ولا البدلاء مهما علا شأنهم يستطيعون أن يملأوا «الشغور» في «بيت الوسط»، خصوصاً حين يكون التحدي بحجم «داعش» و«النصرة» وما شابههما من قوى تكفيرية ومتطرفة، تستهدف الاعتدال السني بقدر ما تستهدف الشيعة والدروز والمسيحيين وكل «آخر» مغاير.

إن «تيار المستقبل»، بما يمثله من جمهور وخيارات ونمط تفكير وطريقة عيش، سيكون المتضرر الاول من زحف ظاهرة التطرف التي نجحت في اختراق شارع هذا التيار، وقد تتوسّع فيه أكثر فأكثر، ما لم يقرر الحريري أن يقود بنفسه، «الهجوم المضاد»، انطلاقاً من الصفوف الأمامية، كما يفعل القائد في العادة، وليس من مقره في السعودية او باريس.

ثم أن الملك السعودي عبدالله منح الحريري كل التغطية اللازمة والحصانة المطلوبة، عبر المواقف المتقدمة التي أطلقها مؤخراً ضد الإرهاب والمتخاذلين في مواجهته، محذراً من أن هؤلاء سيكونون في طليعة ضحاياه، داعياً الى التصدي لدعاة الفتنة حيثما وُجدوا، وبالتالي فإن وجود رئيس «المستقبل» على الخطوط الامامية لهذه «الجبهة» سيؤكد المعاني التي قصد اليها خادم الحرمين الشريفين في رسالته الاخيرة.

وإذا كان ضباط الجيش اللبناني وجنوده يبذلون الدم من دون حساب، لحماية الكيان من الإرهاب، فإن عودة الحريري للمشاركة في تحصين خط الدفاع عن لبنان، من موقعه المحوري، باتت أقرب الى «الواجب» الذي تتلاشى أمامه كل الاعتبارات الاخرى.

ولذلك، بات على الحريري أن يملأ بحضوره «الفراغ» على مستوى قيادة «تيار المستقبل» والشارع السني، قبل أن يتصدى لـ«الفراغ» في رئاسة الجمهورية.

والأرجح ان الحريري ليس مسروراً إزاء حالة التشظي التي يُصاب بها تياره عند كل منعطف يصادفه، كما حصل مع اندلاع معركة عرسال، حيث تعددت آراء الناطقين باسم «المستقبل» الى حد تجاوز مفهوم التنوع الصحي والديموقراطية التنظيمية، ليبلغ مستوى الانشطار السياسي في الجسم الواحد، ما جعل «هيبة» الحريري وقدرته على القيادة تهتزان في توقيت يتطلب الوضوح والحزم ومركزية القرار.

وحده، وجود سعد الحريري في بيروت على مقربة من تياره وجمهوره، يتيح له ان يعيد شدّ العصب ولجم التعصب، وأن يضخ من جديد الحرارة في أسلاك العلاقة المبتورة مع شارعه، وأن يضع حداً لـ«الجزر» التي نشأت على هامش منفاه السياسي، إلا إذا كان ما يصدر عن بعض نواب وقياديي «المستقبل» من مواقف نافرة ومتمايزة عن التوجهات المعلنة للحريري.. يندرج في خانة توزيع الأدوار!

والأكيد أن الحريري سيجد في منتصف الطريق، متى رجع، إضافة الى حلفائه، نبيه بري ووليد جنبلاط وميشال عون وسليمان فرنجية، وحتى السيد حسن نصرالله الذي يدرك خطورة هذه المرحلة وما تستوجبه من محاكاة وطنية عابرة للتناقضات الثانوية والصراعات الداخلية.

والأرجح أن كل هذه القيادات لن تتردد في التعاون مع رئيس «تيار المستقبل» ومحاورته، لرفع منسوب المناعة الوطنية، لاسيما أن معركة التصدي للإرهاب لا يمكن ربحها إلا إذا شارك الجميع في خوضها وتحمل أعبائها، الى جانب الجيش، بل أمامه.

وإذا كانت حكومة المصلحة الوطنية قد نجحت في جمع «المستقبل» و«حزب الله» والأطراف الاخرى في «8 آذار» و«14 آذار» حول طاولة واحدة، برغم الانقسام الحاد في النظرة الى الازمة السورية، فإن الحكمة والشجاعة تقتضيان من الحريري استكمال هذا المسار وتتويجه بقرار كبير حان أوانه.

دولة الرئيس،

الشهيد البطل نور الجمل ينتظرك لكي تضع وردة على ضريحه.. فلا تخذله!