الرئيس المصري المعزول محمد مرسي يُحاكم هو و«إخوانه» الآن في المحاكم المصرية، هو وبديع والشاطر والبلتاجي والعريان وحجازي، وغيرهم من سلطة الجماعة التي تولت مقاليد مصر نحو عامين، من خلال البرلمان والرئاسة.
يحاكم مرسي وإخوانه بعدة تهم، تشمل القتل والتآمر مع «حزب الله»، وحماس والجهاد، هدم السجون ومخافر الشرطة، الإفراج عن الإرهابيين «المجاهدين».
عشرات التهم، والرجل يعيش حالة إنكار للواقع، خصوصا بعد التفويض الشعبي الكاسح، الذي أخذه عبد الفتاح السيسي من المصريين في استحقاقي التعديلات الدستورية، ثم رئاسة الجمهورية.
تعليقات مرسي في قفص الاتهام، أو المنقولة عنه في محبسه من حراسه، كاشفة لعمق الداء الذي تفنن «الإخوان» في تكريسه داخل العقل العربي، داء يقوم على مزيج من الخطابة الصاخبة، والتحريك الفج للعواطف، ومغالطة الحقائق والوقائع، والتشويش بأي قضية بعيدة عن صلب الموضوع، وعادة ما يكون التشويش الإخواني مستندا إلى قضية ذات بعد عاطفي ديني – سياسي.
هذه الأيام، مثلا، أثناء محاكمة محمد مرسي، بالتزامن مع حرب غزة، الخاضعة لسلطة حماس، سمحت المحكمة المصرية لمحمد الدماطي عضو هيئة الدفاع عن مرسي وإخوانه، بالتحدث أمامها قبل استكمال الاستماع إلى الشهود، ثم فجأة، وفي حديث بعيد كل البعد عن مجريات القضية، التف المحامي في مناورة عاطفية، وقال للمحكمة: «القضية المطروحة تتصل بالمشهد السياسي الذي يحدث على الحدود الشرقية». يعني ما يجري في غزة، ليقاطعه رئيس المحكمة بنفي وجود أي ارتباط بين محاكمة مرسي الجارية من أشهر وأحداث غزة الحالية.
«بوابة الأهرام» أضافت أن مرسي قام (من داخل قفص الاتهام) بإطلاق هتافات، من بينها: «حي على الجهاد».. وقام بقية المتهمين من خلفه بترديد الهتافات. وأبدى رئيس المحكمة اعتراضه على ما يقوم به المتهمون من «التشويش والشوشرة».
هذا بالضبط ما ضيع قضية غزة، وقضية فلسطين برمتها، وقضية الإصلاح في مجتمعات العرب والمسلمين، وهو المزايدة والشوشرة والاتجار بكل مأساة أو قضية تحمل قيمة إنسانية في داخلها.
ليس «الإخوان» وحدهم مَن تاجر بقضية فلسطين، لكنهم أبرز المتاجرين، فقد تاجر القوميون واليساريون العرب، كما تاجرت إيران الخمينية وذراعها اللبنانية «حزب الله». وتمر الأعوام تتعثر ببعضها، ولا يزداد الشأن الفلسطيني إلا تعسا وأسى. المتاجرة بقضية فلسطين هي حيلة المأزومين والمفلسين من الساسة والتيارات الشعبوية في العالم العربي، التي تهرب من فاتورة الإصلاح وبناء التنمية الداخلية لمجتمعاتها، إلى البكاء على حائط الخطب والدموع والصراخ والشتائم، كما يحصل الآن في موضوع غزة، وفي حفلة صراخ لا تحل قضية غزة وسكانها المأساوية، بل تجرّ قضية غزة جرّا من قرنيها لصالح موضوع آخر، لا شأن له بغزة، كما يفعل الأخ مرسي حاليا، الذي تذكر فجأة «الجهاد» في غزة، بعد لحظة نسيان وهو في كرسي الرئاسة. ما من أحد يعني ما يقول في حفلة الخطابة هذه.