Site icon IMLebanon

كلام في السياسة | مسقط بدل الدوحة و«داعش» بدل 7 أيار

ليس التوتير الأمني هو العامل الوحيد الذي يستغله الطبّاخون الخارجيون سعياً إلى فرض «وجبة» رئاسية سريعة ومعلّبة على اللبنانيين. ففيما الانتحاريون يحصدون أرواح اللبنانيين الأبرياء، تبدو الغرف السوداء شغالة بشكل مكثف ومتزامن، من أجل الاستثمار في تلك الدماء وعدم تركها تذهب «هباءً رئاسياً».

آخر المعلومات المتوافرة لدى أحد الأقطاب السياسيين، والتي ثبتت له صحتها بعدما قاطعها مع أقطاب آخرين، تشير إلى أن العاملين دولياً على «تنجير» رئيس من صنع الخارج، باتوا مقتنعين بعدد من المسلّمات التي يجاهرون بها علناً.

أول مسلّمة لم يعد يتردد بعض الدبلوماسيين الغربيين في إعلانها، أنه يجب التخلص من معادلة الأقطاب الموارنة الأربعة الكبار. حتى أن أحد السفراء بات ينقل عن زميل له في بيروت أنه لا بد من إعلان الحظر الدولي على كل من عون وفرنجيه والجميل وجعجع. ثاني تلك المسلّمات، القول إن موازين القوى الداخلية لا تسمح لأي فريق بالتفوق على الآخر في اللعبة الرئاسية. فبعد أشهر من جس النبض والمفاوضات ومحاولات التسلل أو القنص على خطوط التماس الاصطفافية، ثبت لدى الطباخ الدولي أن سعد الحريري عاجز عن ترجمة مصالحه أو اقتناعاته في ظل الجمود السعودي. أما وليد جنبلاط فيعلن لمن يصدقه الفكر والقول، أن التعادل السلبي هو سيد الموقف لبنانياً وإقليمياً ودولياً. وبالتالي فإن أي خطوة قد يقوم بها الزعيم الدرزي في هذه الظروف بالذات، ستؤدي حكماً إلى ترجيحه فريقاً داخلياً على آخر، في غياب أي مظلة خارجية قريبة أو بعيدة لذلك. وهو ما يعتبره سيد المختارة مقتلاً له ولفريقه وربما لطائفته، لا بالمعنى السياسي وحسب، بل ربما بالمعنى الحرفي أيضاً.

ثالث المسلّمات التي اكتشفها المستنسخون الغربيون لرئيسنا المقبل، هو أن الاستمرار في لعبة الانتظار ليست لمصلحة هؤلاء. ذلك أن دونها خطرين اثنين على مصالح الخارج. الأول يتمثل في احتمال حصول تطورات ميدانية عسكرية أو سياسية في سوريا، تؤدي إلى تبديل في موازين القوى الرئاسية اللبنانية، على عكس ما يريده الغربيون، وتحديداً في شكل مغاير لمسلّمة شطب الأقطاب. وخطر ثان يتمثل في احتمال الوصول إلى فراغ نظامي بعد الشغور الرئاسي، يعني ذهاب لبنان حتماً إلى صيغة تأسيسية جديدة، يبدو الخارجيون عاجزين عن مقاربتها الآن، في ظل مرحلة إقليمية رمادية بالكامل بالنسبة إليهم. هذا فضلاً عن مجموعة مخاطر لبنانية داخلية، يرون فيها أضراراً جانبية لعملية الانتظار، مثل احتمال ازدياد التوتر الأمني أو الانهيار الاقتصادي أو الانفجار المطلبي أو استئخار الاستثمار الخارجي للثروات اللبنانية المكتشفة.

المسلّمة الرابعة المطروحة في المطبخ الرئاسي الدولي انه، واستناداً إلى كل ما سبق، بات ملحاً إنجاز صفقة خارجية محدودة، تؤمن فرض رئيس وفق معايير الخارج ومصالحه. كما تواكبه بسلسلة أكسسوارات مرافقة. منها قانون انتخاب وشكل الحكومة المقبلة وتركيبتها وبيانها ومضمونها. أي الاتجاه إلى «اتفاق دوحة» ثان. لكن بمقادير خارجية مختلفة. ويدور الحديث بين الدبلوماسيين الغربيين العاملين على الطبخة، حول ضرورة مشاركة كل من الرياض وطهران فيها، واستبعاد دمشق عنها. على عكس طبخة الدوحة. مع تأمين التغطية الأميركية والروسية الضرورية. في ظل طبخة كهذه، يعتقد الدبلوماسيون الغربيون أن استيلاد رئيس جديد للبنان من رحم المصالح الخارجية، سيتحول إلى ولادة طبيعية في اعتبارات اللبنانيين. إذ سيجد معظم الأفرقاء أنفسهم حاضرين في اللعبة، عبر عرّابيهم أو مرجعياتهم الإقليمية. وهو ما يسمح عندها بطرح «الأمن السياسي» للجميع، لا بل فرضه عليهم فرضاً، بدل أن يدعي ميشال عون محاولة إنتاجه لبنانياً. لا بل عندها سيتهافت السياسيون اللبنانيون على التباهي بهذا المفهوم، الذي سارعوا قبل أيام إلى إدانته.

المهم أن العناصر النظرية للطبخة باتت جاهزة في أذهان الدبلوماسيين الغربيين. وجاء الحدث «الداعشي» ليجعلها تبلغ حدود وضع اللمسات الأخيرة وإنجاز آخر التفاصيل اللوجستية والعملانية. إذ يعتقد الدبلوماسيون الغربيون أن ما أمّنته أحداث 5 و7 ايار 2008 لإنضاج اتفاق الدوحة يومها، يمكن الاتكال على انتفاضة «داعش» لتأمينه لإنضاج الاتفاق العتيد. ولأن المطلوب هو هذا تحديداً، أدرك الطباخون ضرورة البحث عن مكان يؤمن «الوعاء» المثالي لطبخة كهذه. وعاء يضمن حضور طهران والرياض، بمباركة روسية وأميركية، يستبعد دمشق ويروّض بيروت، وينتج اتفاق التسوية المرحلية الجديدة. وضعت الخلطة كاملة في كمبيوتر المطبخ الغربي، فجاءت النتيجة النهائية كالآتي: الذهاب إلى مسقط. هناك في العاصمة العمانية، بات المطبخ الرباعي، السعودي الإيراني الأميركي الروسي، شغالاً بشكل دائم، كما أن تجهيزاته مكتملة. لم يعد ينقص إلا طائرة خاصة لإحضار المكونات المعلبة من بيروت، وولاعة لإشعال النار تحتها. تؤكد المعلومات أن المقادير اللبنانية الراضية بدورها باتت على علم باتفاق مسقط. أما الولاعة فقد تكون «داعشية» أو طرابلسية أو فلسطينية بائسة، أو أي ولاعة أخرى خفيفة صالحة، بحيث توقد النار ولا تحرق الطبخة. فهل تصح الحسابات أم يقدر البعض على إجهاضها؟