في زيارة خاطفة هي الاولى لوزير خارجية اميركي لبيروت منذ خمس سنوات، شكلت الساعات الاربع التي أمضاها جون كيري في العاصمة اللبنانية مناسبة لاطلاق مجموعة رسائل أميركية في اتجاهات مختلفة ولو مثلت رسالة الدعم للبنان في حقبته الانتقالية وفراغ رئاسته صلب هذه الزيارة.
في الشكل أولاً، اكتسبت الجولة السريعة لكيري تباعاً على كل من رئيس مجلس الوزراء تمّام سلام والبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ورئيس مجلس النواب نبيه بري دلالة قوية على تحرك الادارة الاميركية للمرة الاولى خارج اطار نشاط سفيرها في بيروت ديفيد هيل من اجل الدفع بل الضغط لاستعجال انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتقصير أمد الفراغ الرئاسي، فحصر وزير الخارجية الأميركي لقاءاته برأسي السلطتين التنفيذية والتشريعية والمرجع الديني الماروني المعني أولاً بالمنصب الرئاسي في غياب المرجع الدستوري.
أما في جوهر الرسائل السياسية والديبلوماسية، فتوزعت المواقف البارزة لكيري على النقاط الاساسية الآتية:
أولاً: ابراز اهتمام واشنطن تخفيف عبء تداعيات الازمة السورية عن لبنان من خلال المساعدة الاضافية في مسألة اللاجئين السوريين، اذ اعلن تخصيص لبنان بمبلغ 51 مليون دولار من أصل 290 مليون دولار للمجتمعات التي تستقبل لاجئين. وقرن ذلك بتشديده على الاستمرار “في دعم الشعب اللبناني والتزام امن لبنان”.
ثانياً: في ازمة الفراغ الرئاسي حملت زيارة كيري ادبيات متقدمة في اظهار القلق على لبنان بعد حصول الفراغ تمثلت في قول وزير الخارجية الاميركي إن هذا الفراغ “هو امر خطير جداً”، معتبراً ان ملء الفراغ “هو أمر مهم للبنان والمنطقة”. اما في موقف بلاده التفصيلي من الاستحقاق الرئاسي، فبدا لافتا التمايز في تعبير كيري عقب لقاءيه مع كل من سلام وبري. اذ انه في المؤتمر الصحافي الذي عقده في السرايا شدد على انتخاب “رئيس قوي في أسرع وقت” قائلاً إن “ليس لدي اي مرشح ولا نريد ان ندخل في هذا الامر ولا ان نقدم اي اقتراح”. اما في عين التينة، فزاد كيري على موقفه السابق اعلانه ان “لا مرشح لدى الولايات المتحدة ولا فيتو على أحد في هذا الاستحقاق”. وأوضحت مصادر معنية بالمحادثات التي اجراها كيري مع رئيس الوزراء ان وزير الخارجية الاميركي عنى بحديثه عن الرئيس “القوي” ان بلاده تؤيد وصول رئيس يتمتع بصلاحيات قوية.
ثالثاً: لم يغب البعد السوري عن الزيارة وتوقيتها غداة الانتخابات الرئاسية في سوريا التي وصفها كيري بأنها “صفر من دون معنى”. اما المفارقة التي استرعت انتباه المراقبين فتمثلت في دعوة كيري كلاً من روسيا وايران و”حزب الله ” الى “العمل معاً لوضع حد للحرب في سوريا”، اذ اكتسبت اشارته الى الحزب دلالة لافتة لجهة موازاته بايران وروسيا من حيث التاثير في مجريات الحرب السورية.
وعلمت “النهار” ان كيري استمع في لقائه والبطريرك الراعي في كرسي المطرانية المارونية في بيروت الى وجهة نظر الاخير في موضوع الفراغ الرئاسي، وأعرب البطريرك عن اصراره على انتخاب رئيس في اسرع وقت. وأبلغت مصادر مطلعة “النهار” ان البحث تركز على ثلاث نقاط هي:
1 – الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية اذ لا يجوز ان تبقى الدولة بلا رأس.
2 – ان يكون الرئيس قوياً ومدعوماً من شريحة كبيرة من اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصا.
3 – ضرورة اكتمال عقد السيبة الثلاثية للمؤسسات الدستورية بما يمكن الدولة من الافادة من النفط الموجود في مياهها الاقليمية لدعم اقتصادها وسد العجز المالي.
واضافت المصادر ان كيري ابدى استعداد بلاده لتولي التفاوض مع اسرائيل في الموضوع المتنازع عليه في ملف النفط . ووصفت اللقاء بمجمله بأنه كان ايجابياً.
ويشار الى ان رئاسة مجلس الوزراء حرصت مساء على ان توضح ان كيري تناول في مؤتمره الصحافي مجموعة امور لم تكن من القضايا التي تناولها خلال لقائه الرئيس سلام ومنها خصوصا ما يتعلق بالعلاقات الاميركية – الاسرائيلية.
وفي اتصال مع “النهار” من جنيف علق وزير العمل سجعان قزي على زيارة كيري فقال: “إننا اذ نرحب بهذه الزيارة لوزير خارجية دولة صديقة، نسأل عن توقيتها ولماذا لم تتم من قبل خصوصا ان الوزير كيري زار المنطقة أكثر من مئة مرة ولم يعرّج مرة على لبنان؟ وايضا لماذا لم يأت قبل 25 أيار الماضي ليساعدنا على انجاز الانتخابات الرئاسية بدل ان يأتي اليوم لدعم الحكومة؟ اذا كانت الزيارة لطمأنتنا فإنها أثارت فينا تساؤلات”.
برّي وعون
أما على الصعيد الداخلي، فبرزت الزيارة التي قام بها أمس رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” العماد ميشال عون للرئيس بري في عين التينة والتي لمح عقبها عون الى بداية تحرك واسع في شأن “انتظام الامور في القريب العاجل” حيال انتخابات الرئاسة وعمل الحكومة ومجلس النواب. واذ برزت طلائع مسعى لتأمين انعقاد جلسة مجلس النواب الثلثاء المقبل لاستكمال مناقشة ملف سلسلة الرتب والرواتب، تردد ان الملف الرئاسي طرح في اللقاء.
وأفادت معلومات أن بري دعا عون إلى الإجتماع الذي تخلله غداء ليبلغه اقتناعاً بات مقيماً لديه، بأن الأفضل ألا ينتظر مدة أطول نتيجة إيجابية بالنسبة إلى ترشيحه للرئاسة من اللقاءات والمحادثات مع الرئيس سعد الحريري. ولا يعني ذلك أن الحريري يضع فيتو على اسمه بل يعني أنه لن يتخلى عن المجموعة السياسية التي يتحالف معها (قوى 14 آذار) ولن تقبل هذه المجموعة بتأييد ترشيح عون، والأسلم تالياً أن تكون مقاربة الموضوع انطلاقاً من هذا الواقع.
وأضافت المصادر انه سبق لعون أن تلقى مضمون رسالة مماثلة قبل أيام من أحد الزعماء السياسيين الآخرين.
وقال النائب السابق ايلي الفرزلي الذي شارك في اللقاء لـ”النهار” إنه كان لقاء “ممتازاً وأسقط كل الكلام والاشاعات حول وجود فتور في العلاقة بين عون وبري”. وأوضح انه “تمت مقاربة كل المواضيع الاساسية وتحديد الضرورات في التشريع، لأن المطلوب ليس تعطيل السلطة التشريعية، كما ليس مطلوباً ان تستمر الامور في البلاد وكأن شيئاً لم يكن على مستوى انتخاب رئاسة الجمهورية”.
أما لجهة ما أشار اليه العماد عون عن حلحلة ما الاسبوع المقبل، فأشار الفرزلي الى أن عون كان يقصد ربما عمل المؤسسات، اذ كان اتفاق على ضرورة تحديد الآليات المطلوبة والدفع في اتجاه انتخاب رئيس للجمهورية.
وكشف الفرزلي أن قانون الانتخاب “سيكون مادة رئيسية اعتباراً من الاسبوع الطالع وكل السقوف ستكون مطروحة”.