Site icon IMLebanon

كيف انقلبت الإمرة من «داعش» الى «النصرة»؟

ستبقى أحداث عرسال مدارَ جدلٍ ومناقشاتٍ لفترة، لما فيها من ألغاز ونتيجة عجز البعض عن فهم حقيقة ما حدث، فبَنوا ردّات فعلهم على أساس انقساماتهم. في وقت كشفت فيه مراجعُ معنيّة أنّ الهجمة على عرسال بدأت مع «داعش» قبل أن تنقلب الإمرة لـ»جبهة النصرة» بعدما عطّل الجيش اللبناني مفاعيلَ الهجوم وسيناريوهاتٍ أخرى. فكيف تمّ ذلك؟

توسَّعت رقعة المناقشات حيالَ ما شهدته عرسال في الأيام القليلة الماضية وتناقضت المواقف منه، وارتفعت لهجة التخوين وتبادُل الإتهامات في سباق مع الزمن، قبل أن يفرض الجيش اللبناني في مواجهته لما حدث تنسيقاً لبنانياً للمواقف فيه كثير من الدجل السياسي بالإضافة الى ما عطّل من مخططات كانت مرسومة لعرسال ومحيطها ولبنان.

ويعترف معنيّون بالملف أنّ التعاطي الحكومي والسياسي اللبناني مع ملف النازحين السوريين يعتريه القصور، فلم تقدّم الحكومتان اللتان عايشتا الأزمة توصيفاً حقيقياً لما حدث وجرى ولم تتعبا في البحث عن حلول تضمن قدرة اللبنانيين على الإمساك بما يحصل على أرضهم، بمقدار ما كان البحث عمّا يُرضي توجهاتهم وطموحاتهم السياسية قياساً على حجم الإنقسام في ما بينهم من أحداث سوريا، واعتقاد البعض أنّه سيكون قادراً على استثمار انتصار النظام في الداخل اللبناني والعكس صحيح.

حتى الأمس القريب، لم يفهم بعضُ اللبنانيين حقيقةَ ما يحصل هناك. ففي لغة الأرقام يعيش في عرسال حالياً نحو 35 الف لبناني وما يزيد عن 110 آلاف نازح سوري اكثريتهم من الذين وجدوا في البلدة مأوى آمناً وبيئة حاضنة لهم، عدا عن العلاقات الإجتماعية والمصاهرة العائلية التي تجمع ثلث هؤلاء جميعاً.

هذا قبل أن يحصل ما حصل بين ليلة وضحاها. وعلى رغم الحديث عن سيناريوهات سلبية تُعدّ للمنطقة لم يحتط اللبنانيون لها بأيّ إجراء ضامن للتحكم بأمن المنطقة، ورداً على ما تكوَّن في محيطها من عداء لها ولأبنائها لا يمكن أن يتنكر له أحد، باتت هناك أحياء في البلدة عاصية على الجيش وهو ما ولَّد نفوراً وعصبيات لم تشهدها المنطقة سابقاً بهذا الحجم من الإحتقان الذي منع أمس وصول المساعدات الطبية الى مستوصفين بدائيّين في عرسال.

وعلى خلفية هذا الإنشقاق بين ما تشهده عرسال ومحيطها، باتت المنطقة مسرحاً جاهزاً لكلّ السيناريوهات السلبية، الى أنّ حصل ما حصل قبل أيام عندما خطَّطت قيادة «داعش الجديدة» بقيادة عماد علي جمعة الأمير السابق لـ»جبهة النصرة» قبل توقيفه على أحد حواجز الجيش، للسيطرة على البلدة ومعابرها الى جرودها لتسهيل انتقال مؤونتها من قلب البلدة اليها.

ويقول العارفون إنّ ردّ فعل الجيش الصلب هو ما عطَّل هذا السيناريو كاملاً. وعلى رغم سقوط شهداء وجرحى في صفوف الجيش نتيجة هذه العملية الغادرة، فقد خربطت السرعة التي تحرّكت فيها ألويته وافواجه كامل هذه الحسابات تزامناً مع سقوط كمائن سياسية كثيرة نصبت له ولقيادته ولوحداته لأسباب انتخابية وسياسية تتصل بالإستحقاق الرئاسي وغيره من الإستحقاقات، وتمّ تصويب البوصلة مجدّداً وتعهّدت الحكومة التضامنَ خلف الجيش وسارعت مختلف القوى الى وقف نزاعاتها الداخلية لإمرار المرحلة بأقلّ الخسائر الممكنة.

ويقرّ العارفون أنّ هذا الموقف على رغم هشاشته، والذي قابلته رداتُ فعل شعبية في عرسال إذ رفض الأهالي التماهي مع مطالب الداعشيين وقوّضوا مشاريعهم في تأمين البيئة الآمنة لهم، فانقلبوا مجدّداً الى قيادة «جبهة النصرة» وما يمثله قائدها المحلي في البلدة «ابو مالك» الذي لا يُحبّذ تنفيذ أيّ عمل عسكري خارج الأراضي السورية، فقاد المفاوضات مع ممثلي «هيئة العلماء المسلمين» لإنهاء العمليات العسكرية على رغم المواجهات الداخلية بين المجموعات السورية المسلّحة وهو ما أنتَج من وقتٍ إلى آخر مواجهات في ما بينها ومع الجيش اللبناني.

وفي ظلّ عدم القدرة على البحث في تفاصيل كثيرة، تجدر الإشارة الى أنّ الساعاتِ القليلة المقبلة ستثبت مدى قدرة «ابو مالك» على إدارة المعركة مع الإعتراف بأنّه دخل في حقلٍ من الألغام الداخلية على رغم سيطرته على أكثرية المجموعات المسلّحة، وستحمل الساعات المقبلة مزيداً من الإثباتات حول إمكان انتهاء العرض العسكري في عرسال قبل نهاية الأسبوع او العكس