تَستقطب الرياض هذه الأيام معظم المهتمّين بالاستحقاق الرئاسي على أبواب الحوار المنتظر بين المملكة العربيّة السعودية وإيران، والتي يحتلّ لبنان جزءاً من جدول أعمالها الموسَّع الذي سيضمّ جملة ملفّات عالقة بين الدولتين اللتين تستعدّان لهذا الحوار بأوراق قوّة متفاوتة لا يمكن الجزم بما يمكن أن تؤدّي إليه قبل استعراضها. فكيف تحوَّلت الرياض قبلة الاستحقاق اللبناني؟
يُتابع المراقبون بدقّة متناهية ما يحصل على أرض المملكة العربية السعودية من حراك يتَّصل بالإستحقاق الرئاسي، بعدما دخل لبنان الأيام العشرة الأخيرة من المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية ليتسلّم مهمّاته من سَلفِه العماد ميشال سليمان فور انتهاء ولايته منتصف ليل 24 – 25 أيار الجاري.
ويَعترف المراقبون بأنّهم يعيشون في بلد يمكن أن ينام على حدثٍ ويصحو على عكسه. فكلّ السيناريوهات باتت مرجّحة بما فيها احتمال التوافق على الرئيس العتيد، فينعقد مجلس النوّاب خلال ساعات لينتخبه رئيساً خلفاً، فيما العكس هو المرجّح، فالذين يتحكّمون بالمعادلات والتحالفات النيابية السلبية القائمة رفعوا السقوف عالياً في انتظار استثمار أوراق القوّة التي باتوا يستثمرونها من امتداداتهم الخارجية في اتّجاه المحاور الإقليمية والدولية التي تتنازع في أكثر من منطقة من العالم.
وعليه، استقبَلت الرياض منذ أمس الأوّل رئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة يرافقه مدير مكتب الرئيس الحريري نادر الحريري ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع قبل أيّام على زيارة رئيس الحكومة تمّام سلام إلى الرياض في إطلالته العربية الأولى خارج لبنان وتزامُناً مع الإستعدادات القائمة للحوار السعودي – الإيراني المنتظر.
ليست المرّة الأولى التي تتحوَّل فيها الرياض قبلة الإستحقاق الرئاسي، فقد شهدَت في محطات سابقة لقاءات متعدّدة تعدَّد أطرافها وأبطالها، لكنّها لم تنتِج أيّ خريطة طريق يمكن أن تفضي إلى انتخاب الرئيس العتيد، لكنّ لقاءات أمس واليوم تكتسب أهمّية أكبر في اعتبارها بوّابة عبور إلى شكل الملفّ اللبناني ومضمونه على طاولة محادثات وزيرَي خارجية السعودية وإيران.
وفي المعلومات أنّ الملف اللبناني قد طُبخ على نار هادئة منذ فترة غير قصيرة، وشارك في الطبخة ديبلوماسيون إيرانيّون وسعوديّون في كلّ من طهران وبيروت والرياض، عدا عن المفاوضات التي حصلت برعاية اميركية على هامش مفاوضات إيران والعالم الغربي بعد زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما الى السعودية، وهي التي دفعت الرياض الى توجيه الدعوة لهذا الحوار مع طهران.
وفي المعلومات المتداولة بين كبار المسؤولين أنّ ملفّ لبنان انطلق تكوينه من مفاوضات ثنائية بدأها سفيرا البلدين في بيروت، وأنّ علاقات مميّزة نُسِجت بين السفيرين علي عواض عسيري وغضنفر ركن ابادي في لقاءات مباشرة جمعتهما قبل سفر عسيري الى بلاده، وحديقة السفارة الإيرانية في اليرزة ومكاتب السفارة السعودية في بيروت شهدتا العديد منها، ورافقتها جولات من المفاوضات قصدَ خلالها أبادي الرياض منذ فترة غير بعيدة للقاء العسيري وعددٍ من كبار المسؤولين المكلفين بالملف.
كانت كلّ الملفّات تنتقَّل بأدقّ تفاصيلها الى الرياض وطهران، حيث استكمل البحث فيها السفير السعودي الجديد في طهران والإيراني في الرياض مع قيادتي البلدين، حتى اكتملت الصورة في ملفّ بات على طاولة الرئيس الإيراني حسن روحاني موضّباً من مكتب رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني المعروف بعلاقاته الودّية والوثيقة مع العاهل السعودي شخصياً، والذي عُدَّ مهندس التفاهمات الجديدة بين بلاده والمملكة.
وعلى هذه الخلفيات، تترقّب الأوساط السياسية ما يمكن أن تعكسه لقاءات الرياض التي وضعت ملفّ لبنان على نارٍ حامية بلا استبعاد إمكان التفاهم على بعض الخطوات التي تُسهّل انتخاب الرئيس الجديد قبل نهاية الولاية الدستورية، على رغم بعض العوائق الشكلية التي يمكن تجاوزها بقرارات مفاجئة قد تشهدها الساحة اللبنانية. وقيل إنّها ستكون موجعة لبعض الذين سيدعون إلى التضحية بكثير من قصور الأحلام التي بُنيت على رمال الأزمة المتحرّكة.
الحديث عن ضغوط دولية لإمرار انتخاب الرئيس ضمن المهلة الدستورية بأقلّ الخسائر الممكنة صحيح وواقعي، وهو يَشي بشيء غامض مثل التفاهم على شخصية توافقية من «مشاهير المجهولين» من خارج نادي المتنازعين يفوز بالسباق سريعاً إلى قصر بعبدا.