أفرد “حزب الله” عبر اعلامه، أهمية كبرى للاتصال الذي أجراه أمينه العام السيد حسن نصرالله برئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” خالد مشعل وبالأمين العام لحركة “الجهاد الاسلامي” عبدالله رمضان شلح، كما أعطى أهمية لمضمون هذين الاتصالين وخصوصاً لجهة الاطمئنان من هذين القائدين الى مآل المواجهات الدائرة في غزة منذ أكثر من عشرة أيام، واستطراداً الى ان الامور ميدانياً لم تفلت من يد المقاومين الفلسطينيين رغم شراسة الهجمة الاسرائيلية وضراوتها.
للاتصالين بالنسبة الى الحزب أهميتهما في هذه المرحلة بالذات خصوصاً قبل أيام قليلة على الظهور السنوي المعتاد للسيد نصرالله بذكرى يوم القدس حيث سيكون للاحداث الدامية في غزة الحيز الاوسع في هذا الخطاب الذي بالعادة يكون ذا بعد قومي.
والذي يدرك خفايا العلاقة بين “حزب الله” و”حماس” يدرك يقيناً ان البعد السياسي الاستثنائي يتمثل في اتصال نصرالله بـ”أبي الوليد”، فالمعلوم ان العلاقة التي تربط الحزب بـ”الجهاد الاسلامي” علاقة وطيدة، فضلاً عن ان شلح مقيم في بيروت بشكل شبه دائم وهو قابل نصرالله أكثر من مرة في الآونة الاخيرة. أما العلاقة بين الحزب و”حماس” فهي ومنذ اندلاع الاحداث في الساحة السورية عبرت بأكثر من محطة سلبية لا سيما بعد خروج “حماس” من دمشق تلاحقها تهمة الانحياز الى المعارضة السورية وعقوق الدعم السوري غير المنقطع لها. بشق النفس وبوعي استراتيجي نجح الطرفان في المحافظة على خيط رفيع في العلاقة بينهما، لذا فإن الاتصال المستجد الآن بين قائديهما يكتسي بعداً، من عناوينه ومدلولاته العريضة في رأي مقربين من الطرفين الآتي:
– ان ثمة مرحلة جديدة منطلقها حدث غزة ومؤداها ان السنين الاربع من التوتر في العلاقة بينهما قد انقضت، وان توجهاً جديداً قد بدأ للتو.
– ان هذا الامر ما كان ليأخذ هذا البعد الاستثنائي، لو لم تكن هناك معلومات تتحدث عن تقارب فرضته المصلحة والحسابات والتناقضات يتم الآن بين المحور الايراني على وجه الخصوص والمحور الذي تنخرط فيه حركة “حماس” بشكل أو بآخر، والذي هو محور ثالث جديد تكوّن أخيراً في المنطقة ولا سيما بعد السقوط المريع لتجربة “الاخوان المسلمين” في حكم مصر قبل عام ونيف، وهو محور يضم الى “حماس” قطر وتركيا و”الاخوان المسلمين” أينما وجدوا وحلوا. وقد يكون التباين بين هذا المحور وطهران مستمراً على خلفية تعارض نظرتهما الحادة حيال الاحداث في الساحة السورية، لكن ثمة مصلحة مشتركة في تقاربهما او في السعي الى ايجاد قواسم مشتركة، وهو تناقضهما مع المحور الآخر الذي تشكل السعودية قطب الرحى فيه ويمكن بشكل او بآخر ادراج مصر برئاسة عبد الفتاح السيسي في خانته الآن.
ولا ريب ان ثمة معلومات تروّج في بعض الأوساط عن أن طهران وانقرة قد اقتربتا خطوات عدة في مجال التفاهم على قواسم مشتركة بعيداً من تعارضهما حول الحدث السوري وستظهر مصاديقه وترجماته العملية في خطوات محسوبة مستقبلاً، ومن ابرز معالمها الحدث المتواتر عن انبعاث حيويات ما في العلاقة بين طهران وتنظيم “الاخوان المسلمين” في ضوء توجه طهران الى عدم سد السبل مع اي طرف مؤثر.
ولا شك ايضاً ان حركة “حماس” اجرت منذ فترة عملية اعادة نظر في مسيرتها السياسية منذ انطلاقة “الربيع العربي” وبالتالي مارست نقداً ذاتياً دفعها في مناسبات شتى لاعادة تعزيز علاقتها بطهران وتفعيل علاقتها بـ”حزب الله” والنأي بنفسها اكثر عن الحدث السوري بغية ازالة صبغة التورط عن نفسها.
وعملياً ثمة من يذهب بعيداً في قراءته لموضوع اتصال نصرالله بمشعل، فيعتبر انه مكسب للحزب الذي سأل الكثيرون عن سر صمته في بداية الحدث الغزّي وهو الذي اكد دوماً انه على علاقة عضوية بالموضوع الفلسطيني وان التلاحم مع المقاومة الفلسطينية ومؤازرتها عند الشدائد احد روافعه الداخلية والعربية. وهكذا فاذا كان الاتصال بمشعل اعاد الحزب الى واجهة الحدث المشتعل والمرشح لأن يطول اكثر فأكثر وان تكون له تداعيات ونتائج، فانه في المقابل برأ بشكل او بآخر “حماس” من خطأها السوري وفق وصف البعض، وقادها بشكل غير مباشر الى محور الممانعة خصوصاً ان ثمة من يرى انها خسرت اكثر مما ربحت لحظة غادرت هذا المحور والتحقت بركب ما سمي “الربيع العربي”، حيث وجدت نفسها في حالة عزلة وحصار لا سيما بعد سقوط مرسي.
ومهما يمكن من امر فان “حزب الله” بدأ يسلك منذ الاحد الماضي مسلك ان المقاومة في غزة حققت الرهان، وبالتالي حققت انجازات في الميدانين السياسي والعسكري رغم جسامة الخسائر، وهي انجازات سيكون لها صداها ودويها الكبيران، خصوصاً انها اعادت الاعتبار الى المقاومة كقيمة لا يمكن الاستغناء عنها او التهرب من موجباتها.
وبمعنى آخر ان “حزب الله” يتمعّن في الحدث الغزّي من باب انه اعاد للمقاومة وهجها وألقها، وانه كرر بشكل جلي صورة حرب تموز في الجنوب عام 2006 حيث الكل ازاح عنه عبء المخاوف بعدما حققت المقاومة مكاسب عدة.
فضلاً عن ذلك فان قيادة المقاومة لدى الحزب ستأخذ وقتها في التمعن بالدروس والعبر الميدانية من مواجهات غزة لجهة الاداء الاسرائيلي ومواجهة المقاومين هناك على اساس انه سيكون نسخة طبق الاصل من الحرب المرتقبة في الجنوب اللبناني في يوم من الايام والتي يستعد لها الحزب.