أعاد تموضع قوّات حلف شمال الأطلسي في الفضاء السوفياتي السابق على الحدود الروسية، العلاقة بين الحلف وروسيا الى المربع الاول، على رغم التقارب بينهما، والذي بدأ بعد توقيع مذكرة التفاهم التي تؤكد عدم وجود عداوة بينهما عام 1997.
لا شك في أنّ الازمة الاوكرانية لعبت الدور الأساس في توتير العلاقة مجدداً بين حلف «الناتو» وروسيا، لكن موسكو تعتبر أنّ بعض الأطراف يحاول استغلال تداعيات تلك الأزمة لتحقيق مكاسب جيوسياسية، خصوصاً أنّ وسائل إعلام غربية تحاول اعطاء انطباع وكأنّ الغزو الروسي بات قاب قوسين أو أدنى، علماً أنّ الزيادة المحدودة للقوات والقواعد العسكرية للناتو في دول بحر البلطيق، لاتفيا وليتوانيا واستونيا وبولندا ورومانيا، لا تشكّل فعلياً حاجز دفاع يستطيع صدّ أي عمل عسكري روسي.
وتعتبر مصادر عسكرية روسية أنّ الولايات المتحدة الاميركية تنتهج سياسة استفزازية حيال روسيا. فإجراء مناورات «عاصفة الربيع»، وهي الأكبر للحلف منذ عام 1991، لا يمكن ترجمته في الحراك العسكري سوى تقدم استفزازي لإيقاع الطرف المستهدف في خانة «ردة الفعل». تُدرك روسيا جيداً أنّ نشر 600 جندي أميركي في بولندا ودول البلطيق لإجراء مناورات، في خطوة قالت واشنطن انها موجهة الى حلفائها في «الناتو» القلقين من الوضع في أوكرانيا، لا تشكل خط دفاع متين لتلك الدول، إنما مجرد تخويف وتعميم حال هيستيريا في تلك الدول من عمل عسكري روسي محتمل، وبما أنّ قادة تلك الدول يدورون في فلك السياسة الاميركية، فإنهم خضعوا لإملاءات البنتاغون. علماً أنّ دول البلطيق الثلاث تعتمد على الغاز الروسي بنسبة مئة في المئة، وتحصل عليه بأسعار مدروسة، ما يعني أنّ تأزّم علاقاتها السياسية مع روسيا سينعكس حكماً على العلاقات الاقتصادية.
وترى المصادر أنّ واشنطن تحاول استغلال الازمة الاوكرانية لجَرّ أوروبا الى مواجهة مع روسيا من خلال اعادة الحياة للأحلاف العسكرية التي سيطرت على العالم قبل تسعينات القرن الماضي، الأمر الذي سيجعل من القارّة العجوز أداة من أدوات السياسة الاميركية، إذ إنّ واشنطن ستتحكَّم بسياسات اوروبا من خلال «فزّاعة» وهمية. وتؤكد الاوساط أنّ محاولات اقتراب واشنطن الى الحدود الروسية من خلال بعض دول اوروبا الشرقية، هو نتيجة رفض عدد من دول اوروبا الفاعلة سيناريوهات تأزيم العلاقات مع روسيا من خلال توسيع قائمة العقوبات ضدها. لكنّ دولاً أوروبية، وفي مقدمها عملاق الاقتصاد الاوروبي ألمانيا، تدرك أنّه في حال ردّت روسيا على العقوبات الأوروبية بعقوبات من العيار الثقيل، وتحديداً في مجال توريدات الغاز، فإنّ اقتصادها سيُصاب بصدمة قوية، ناهيك عن أنّ العقوبات الروسية ستؤدي الى انهيار اقتصادات عدد من الدول الأوروبية التي تعاني أزمة اقتصادية. وبالتالي، سيكون لتبعات انهيار الاقتصاد في أيّ دولة أوروبية تداعيات وانعكاسات كبرى على مجمل دول الاتحاد.
وتؤكد المصادر أنّ روسيا ليست في صدد قضم أراض أوكرانية، أو تقسيم البلاد كما تصوّر الادارة الاميركية، بل إنّ جلَّ ما تريده موسكو وتدعو إليه هو إقامة حوار شامل بمشاركة ممثّلين عن كلّ أقاليم البلاد للحفاظ على وحدتها وعلى حقوق كلّ مكوّناتها الاجتماعية، في اعتبار أنّ وجود دولة محايدة وهادئة، وتضمّ نحو خمسين مليون نسمة عند خاصرتها الغربية، يدفع الى الاطمئنان.
وتعتبر المصادر أنّ محاولات الناتو توسيع رقعة انتشاره العسكرية في المحيط الروسي، وزيادة العقوبات الأوروبية ستعرقل الجهود الرامية لإيجاد حلّ سياسي للأزمة الاوكرانية، لأنّ موسكو لا يمكنها الصمت طويلاً عن التنكيل الذي يمارسه الجيش الأوكراني وفصائل اليمين المتطرف في جنوب البلاد وشرقها على مرأى من واشنطن وبروكسل ومسمعيهما.