Site icon IMLebanon

كيف سيعود النازحون السوريّون… ومتى؟

فوجئ كثيرون ممَّن رافقوا أولى قوافل النازحين السوريين العائدين الى ديارهم قبل 5 أيام بأحد ممثلي مفوّضيّة شؤون اللاجئين في الأمم المتحدة يرفع صوته في وجه مسؤولي القافلة، قائلاً: «أنتم مجانين ماذا تريدون أن تفعلوا؟ النظام يُهدّدكم فكيف ستعودون؟ أنتم في خطر!». ما الذي يعنيه هذا الكلام؟ وهل فاجأ مضمونه الديبلوماسيين والمسؤولين؟

قبل أن يقول وزير الداخلية نهاد المشنوق قبيل إجتماع اللجنة الوزارية المكلّفة متابعة ملف النازحين، وقبل ساعات على انتهاء مأساة القافلة الأولى بعبور آخر من سُمح لهم بالعودة الى سوريا بعد 5 ايام من الإنتظار، «إنّ النظام السوري يرفض في المطلق إعادة اللاجئين أيّاً يكن وضعهم القانوني»، كانت المراجع الديبلوماسية ومتعاطون بهذا الملف قد حسموا الأمر وأكدوا أنهم لم يتلمّسوا يوماً أنّ النظام السوري يرغب بعودة النازحين الى أراضيهم، ولهم في هذا الرأي أمثال عدّة لا يتسع لها مجرّد مقال، بل مجلّد بكامله.

وتضيف المراجع أنّ التجارب السابقة عزَّزت الإعتقاد بأنّ لبنان وعلى وقع تجاربه المرّة مع اللاجئين الفلسطينيّين، هو الضحية الأولى لهذه الكارثة الإنسانية التي تجاوزت في شكلها ومضمونها ونتائجها المرتقبة ما خلّفته «نكبة فلسطين» وغيرها من النكبات التي عاشتها شعوبٌ تعرّضت للتهجير القسري في التاريخ الحديث.

ومِن هذه المنطلقات، تتبادل المراجع المعنيّة بملف اللّاجئين مخاوفَ من مستقبلهم ومستقبل لبنان بتركيبته الطائفية الهشّة، ليس لأنّ المشكلة كبيرة وعظيمة فحسب، بل لأنّ اللبنانيين منقسمون حولها.

فلكلّ فئة من اللبنانيين مجموعة مصنّفة من النازحين، فأنصار النظام ومنهم مَن شاركوا في الإنتخابات الرئاسية السورية في حزيران الماضي لهم كوادرهم وروابطهم التي تُعنى بأوضاعهم بعيداً من العيون اللبنانية ويحظون برعاية لا تُقارن بما يحظى بها آخرون.

فيما يواجه آخرون ومنهم لاجئو عرسال الذين فضلوا المغادرة لأسبابٍ عدة أبرزها فقدان الثقة بمحيطهم العرسالي مصيراً آخر، بعدما ثبت أنّ مخيماتهم العشوائية كانت ملجأً ومنطلقاً لمئات المسلّحين الذين شاركوا في الهجمات على مراكز الجيش او أولئك الذين عاثوا فساداً في البلدة مع مجموعة المنظمات الإرهابية، وبقيَت وجوههم معروفة من السكان الذين تقاسموا معهم لقمة الخبز، وكانوا ينادونهم بالإسم أثناء المواجهات العسكرية رأفةً بهم وبممتلكاتهم بعدما تحوّلت بيوتهم ومؤسساتهم مواقعَ للقنّاصة المتجوّلين الّذين أطلقوا النيران في اتجاه المواقع العسكرية والمدنيين على السواء.

وعليه فقد كشفت المراجع المعنيّة أنّ جهاتٍ عدّة تبلّغت من المسؤولين السوريين رفضاً مطلقاً لكلّ مشاريع إقامة المخيّمات سواء في مناطق لبنانية محاذية للحدود أو في المناطق الآمنة في الداخل السوري التي يمكن الوصول اليها من دول الجوار لإستيعاب المشتتين في الأراضي اللبنانية. وهو امرٌ اعتُبر أنه يؤكّد عجز لبنان الرسمي الذي كرَّس بما رافق موجات النزوح من سوء إدارة، خطأً تاريخياً لا يمكن ترميمه.

فالخوف أن يكون بعض النازحين قد باتوا منخرطين في محيطهم الإجتماعي والإقتصادي في مناطق لبنانية عدّة بعدما تحوّلوا قوّةً عاملة على حساب اليد العاملة المحلية خصوصاً أولئك الذين يتقنون المهن الحرفية والصناعية الصغيرة.

ولا يتردّد مسؤولو المنظمات الإغاثية في إقامة جداول المقارنة بين التجربة اللبنانية وتلك التي عاشتها دول الجوار السوري، ومنها تركيا والأردن التي خصصت للّاجئين مخيماتٍ بعيدة من المجتمعات الشعبية والمناطق الإقتصادية الوطنية وشكلوا مدناً يُعتبر مخيم الزعتري في الأردن نموذجاً منها، والذي وفّر لهم الخدمات الصحّية والتربوية والترفيهية التي يمكن أن تبقيهم فيها سنواتٍ طالما أنّ الأزمةَ السورية قائمة.

وإضافة الى هذه العوامل التي ترفع من نسبة المخاوف ما قد يَنتج عن فشل كلّ التجارب لإعادة النازحين الى بلادهم، تتعزّز المخاوف من التصنيف الذي يخضع له النازحون بين مَن استحصلوا على صفة «لاجئ» بالتعريف الدولي والتي تمنع ترحيلهم الى بلادهم، أو أولئك الذين دخلوا لبنانَ بطرق غير شرعية ولا يمكنهم العودة الى سوريا طالما أنّ النظامَ نفسه ما زال ممسكاً بالنقاط الحدودية بأيدٍ من حديد، وله تصنيفه الذي وضع معظمهم في خانة الإرهابيّين والبيئة الحاضنة للإرهاب، وهو أمرٌ تأخذه الأممُ المتحدة بكامل مؤسساتها ومعها ديبلوماسيون في قرارة أنفسهم على محمل الجدّ، ولذلك كيف سيعودون ومتى؟