Site icon IMLebanon

كيف سيمدّد المجلس لنفسه للمرة الثانية في ظلّ الشغور؟

مخاوف من توسّع رقعة «الكراسي الفارغة»

كيف سيمدّد المجلس لنفسه للمرة الثانية في ظلّ الشغور؟

يعمل نهاد المشنوق للانتخابات النيابيّة كأنها ستكون غداً. كلّ التحضيرات التي يقوم بها وزير الداخلية والبلديّات تؤكّد أنّ لوائح الشطب وصناديق الاقتراع وكلّ الأمور اللوجستيّة ستكون جاهزة في «الصنائع» قبل 20 تشرين الثاني المقبل (موعد انتهاء ولاية المجلس الحالي الممدّدة).

ولكن هل ستكون الكتل النيابيّة جاهزة لخوض معركتها التي يجب أن تبدأ بين آب وتشرين الثاني؟

فوق الطاولة، كلّ الأفرقاء السياسيين يشدّدون على ضرورة إجراء الانتخابات في مواعيدها، دون أن يكون لهذا الكلام أي مفاعيل واقعيّة. أما على أرض الواقع، فلا يبدو أي طرف منشغلاً بتركيب التحالفات في المناطق أو مستعداً لتضييع وقته في صوغ جمل قصيرة تكون بمثابة «حملة دعائية» لـ«اليوم الكبير»، ولا أحد يشعر بأهميّة البدء بخطابات وجولات انتخابيّة لشدّ عصب الجمهور.

ذلك يعني أنّ الأقوال غير الأفعال، إذ إنّ الكتل النيابيّة غير مستعجلة، أو بالأحرى غير مضطرة للدّخول في «معركة كسر عظم». صحيح أنّ هذه المعركة ستبقي على المعادلات السياسيّة القائمة في الوقت الراهن، إلا أنّ بعض القوى لا تخفي خشيتها من خضّات سياسيّة وأمنية تترتّب على إجراء الانتخابات، في ظلّ خطورة الوضع الإقليمي.

كثيرة هي السيناريوهات المفترضة التي تدور في أذهان غير المتحمسين لإجراء استحقاق الـ2014. هؤلاء يعتقدون أن البدء بنسج التحالفات والتحضير لخطابات عالية السقف يكون دورهما كسب مزيد من الأصوات الانتخابية، ما يعني إعادة الانقسام العمودي والعودة إلى الوراء في بعض الحوارات القائمة اليوم لإنجاح حكومة الرئيس تمّام سلام على أساس تنظيم الخلاف.

كما يخافون أيضاً من أن يتكرّر المشهد العراقي في لبنان، من خلال استهداف مراكز اقتراع في بعض المناطق ذات اللون الطائفي الواحد وعدم إمكان السيطرة على الوضع الأمني، لا سيّما بعد رفع سقف الخطاب السياسي ما يسمح للخلايا المتطرفة بالتحرّك بسهولة أكبر على الساحة اللبنانية، مع تطوّر الوضع في سوريا والعراق.

يعرف المدافعون عن التمديد للمجلس النيابي الحالي أن الدول العربية والأجنبية المؤثرة ما زالت تتمسّك بأن يكون لبنان بمنأى عما يجري في المنطقة، والوثائق التي تتلقاها الأجهزة الأمنيّة وتحتوي على «مساعدات أمنية» بـ«داتا» عن الخلايا النائمة أكبر دليل على ذلك. ومع ذلك، فإنهم يخافون من أن تعمد بعض الدول التي لا تريد خلط الأوراق اللبنانية في صناديق الاقتراع إلى زعزعة الوضع الأمني كـ«رسالة ناعمة» للتراجع عن قرار الانتخابات، ما قد يؤدي إلى عودة «زمن الانفجارات الأسبوعية» الذي كان قائماً إبّان تشكيل الحكومة.

في المحصلة، تحسب الأطراف الداخليّة نتائج «استحقاق 2014» على الورقة والقلم، لتدرك أن الانتخابات لن تثمر جديداً – إيجابياً. فقانون الـ60 سيعيد إنتاج مجلس النواب نفسه، المنتخب في العام 2009، والذي لم يفلح في انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة يكون توافقياً، وفي الوقت عينه، لا قدرة لأيّ فريق على إيصال مرشّحه دون أصوات الفريق الآخر.

تعامل مجلس النواب الحالي مع الاستحقاق الرئاسي يسري أيضاً على كلّ الملفات والاستحقاقات الأخرى، ويتشابه إلى حدّ التطابق مع أي مجلس نوّاب سينتخب في العام 2014.

الكتل لن توقّع على «شيك بلا رصيد»، ما يشير إلى أنّ «التمديد الثاني» قد يصبح قريباً أمراً واقعاً. ويردّد البعض أن الأسباب الموجبة لهذا التمديد، والتي ستقدّم من الحكومة إلى مجلس النوّاب أو عبر نائب من المجلس بدأت تتحضّر. يقولون إن الأسباب الموجبة التي ستصاغ في الـ2014 قد تتعدّى بصفحات تلك الأسباب التي صاغها النائب نقولا فتوش (عندما كان وزيراً) في «التمديد الأوّل»، والتي تضمّنت الكثير من المبرّرات لعدم الذهاب نحو الانتخابات، ثم عُدّلت في المجلس النيابي لكثرتها.

ويذكّر هؤلاء بأنّ الحكومة السابقة بالتعاون مع مجلس النوّاب، تذرّعت حينها بالوضع الأمني الذي كان ممسوكاً أكثر بكثير مما هو عليه اليوم، ما يعني أن الأسباب الموجبة هذا العام ستكون أسهل من السابق. أما العالق، فهو مدّة التمديد الذي يقول البعض إنه سيتراوح بين سنتين أو ثلاث سنوات.

في المقابل، يشكّك الخبراء الدستوريون بهذا الأمر، ويشدّدون على أن الدستور واضح، فلا مبرّر للتمديد إلا في حال «القوة القاهرة»، أي الحرب الأهليّة أو أوضاع خطيرة أكبر من تلك التي يمرّ بها لبنان اليوم، مذكرين أن التمديد حصل لثماني مرات في الحرب الأهلية لوجود عذر مادي. ويوضحون أنّ التمديد في هذه الحالة هو مخالفة لمبدأ النظام الديموقراطي الذي تقوم عليه الجمهورية اللبنانية، وبالتالي المسّ بالدستور ومخالفة مواده بشكل واضح.

ولكن السؤال الأكبر الذي تطرحه الأطراف السياسية هو كيف يمكن الذهاب نحو التمديد في ظلّ الشغور في موقع رئاسة الجمهورية؟

يؤكّد خبراء دستوريون أن التمديد في هذه الحالة سيصطدم بالعديد من العقبات، لا سيّما إذا ما كانت بعض القوى السياسية ترفض الجنوح نحو هذا الخيار، مثلما حصل في التمديد الأوّل.

يلفت هؤلاء الانتباه إلى أنّه في حال تمّ التصويت على قانون التمديد داخل «ساحة النجمة» في ظلّ عدم التوافق عليه بين الكتل السياسية، فإن النتيجة ستكون حكماً توجّه 10 نوّاب إلى «المجلس الدستوري» لتقديم طعن بالقانون.

يشرح الخبراء أنّ «المجلس الدستوري» سيكون أمام خيارين: عدم حضور كلّ أعضاء المجلس (كما حصل بعد التمديد الأول) وبالتالي عدم توفّر النصاب لإصدار القرار، أو تأمين النصاب والنظر بقانون التمديد وإبطاله فوراً.

في حين يرى الدستوريون أنّ خيارات رافضي التمديد لن تكون محصورة بـ«المجلس الدستوري»، بل يمكن استباق الأمر داخل الحكومة التي لن تتحوّل إلى حكومة تصريف أعمال لأن الانتخابات لم تجر، وذلك كما حصل في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.

ويتساءلون: «ماذا لو رفض وزيرٌ واحدٌ التوقيع على قانون التمديد لنشره في الجريدة الرسميّة، على اعتبار أن عدم نشره يعني أن المرسوم يبقى من دون أي مفعول؟ وماذا لو أبطله المجلس الدستوري أو لم يتمّ نشره في الجريدة الرسميّة في الوقت الذي تكون فيه قد انتهت ولاية المجلس أي في 20 تشرين الثاني المقبل؟

هذا الاحتمال يعني، بحسب الخبراء الدستوريين، أن لبنان سيكون من دون رئيس للجمهورية ومن دون مجلس نيابي بانتظار أن تقوم الحكومة بإجراء الانتخابات النيابيّة. أمّا إذا وقع الخلاف في تمنّع بعض الأطراف عن المضيّ نحو الانتخابات والتذرّع بالأوضاع الأمنية، فهذا يعني تمدّد مشهد «الكراسي الفارغة» من بعبدا إلى ساحة النجمة.

وفي هذا الإطار، تتخوّف بعض القوى السياسية من أن تكون هذه النهاية معدّة سلفاً بغية إفراغ المؤسسات والذهاب نحو «طائف جديد»، مذكرين بأن الطائف لم يتمّ الاتفاق عليه في عهد سلام بل أيام الحرب، ما يشير إلى إمكانية زعزعة الوضع الأمني بهدف رفع السقوف قبل «البصم» على اتفاق جديد.

من الجهة القانونية، يؤكّد الخبراء الدستوريون أن هذا الاحتمال مستبعد، على اعتبار أن الحكومة ستكون ملزمة بالإسراع في إجراء الانتخابات في كل المناطق، لافتين الانتباه إلى إمكان اصطدام التمديد بعقبة «الانتخابات الفرعيّة» بعد وفاة نائب تكتّل «التغيير والإصلاح» ميشال حلو، إذ يجب ملء فراغ كرسيّه في حال تمّ التمديد. وبالتالي كيف يمكن تبرير عدم إجراء الانتخابات على كل المناطق اللبنانية، وفي الوقت عينه يمكن إجراء انتخابات فرعيّة في جزين.

يشرح القانونيون أنه بالإمكان تبرير الأمر أن الانتخابات الفرعيّة بحاجة إلى قوّة أمنية محدّودة العدد لحماية الاستحقاق بعكس ما تتطلبه الانتخابات في كل لبنان، مشيرةً إلى أنّه يمكن أيضاً صوغ أسباب موجبة تكون نفسها أسباب التمديد للمجلس النيابي، لعدم ملء المقعد الشاغر، ما يعني أنّ المجلس قد يتألف بعد التمديد من 127 نائباً وليس من 128.