لا يختلف المشايخ السلفيون على أن ما يحصل في العراق من أحداث دامية هو نتيجة الممارسات السياسية والطائفية التي تنتهجها حكومة نوري المالكي، وشعور مكوّن عراقي كبير بالظلم والإقصاء، لكنهم يختلفون جوهريا على الدور الذي يلعبه تنظيم «داعش» هناك.
ففي الوقت الذي يرفض فيه بعض المشايخ تصرفات هذا التنظيم التي لا تمت الى الاسلام بصلة، يرى البعض الآخر أن التركيز على «داعش» يهدف الى تشويه «الثورة»، فيما يرى آخرون أنها تشكل إحدى المكونات العراقية الثائرة على حكم المالكي، وأن ما يجري هو «انتفاضة سنية مباركة لاستعادة الحقوق والكرامة». يتوافق المشايخ السلفيون على نبذ الارهاب والتطرف من أي جهة أتى، لكن بعضهم يرفض إرهاب «داعش» والمجازر التي ترتكبها، فيما البعض الآخر يرى أن «الارهاب الصادر عن حكومة المالكي وأعوانها يواجه اليوم بثورة لا تقتصر على السنة فقط بل على الشيعة أيضا».
لا يخشى السلفيون أن تنتقل رياح العراق الى لبنان الذي يتميز بتركيبة تمنع انطلاق «ثورات» من هذا النوع على أرضه، لكن بعضهم يرى في ما يحصل أنه تجديد لـ«الربيع العربي» وأن كل من وقف مع الظلم في المنطقة العربية ستطاله نيرانُ هذه «الثورة»، وأن لبنان قد يكون مسرحا رديفا.
جديدة
ويرى رئيس «هيئة علماء المسلمين» في لبنان الشيخ مالك جديدة «أن هناك ظلما واقعا على فئة من العراقيين وهذا لا يجوز، لأن الدولة يجب أن تكون لكل الشعب العراقي، ويجب إنصاف الجميع وهذا مطلب عادل»، مؤكدا أن «الحل ليس بما يقوم به تنظيم داعش من ممارسات لا تمت الى الاسلام بصلة»، وقال: «لا يمكن أن نوافق على وجود مثل هذه الجماعات التي لا تمثل النهج الاسلامي الصحيح، وهي دخيلة على أجوائنا العربية والاسلامية ولا يمكن أن تعبر عنا في شيء. كما اننا لا ندري من أسس هذه الجماعات ومن يدعمها بهدف تخريب وتشويه الاسلام، وضرب دولة العراق».
يشدد جديدة على أن «هناك أصواتا حكيمة من الطائفة الشيعية أكدت على ضرورة إنصاف جميع العراقيين، لأنه لا شك بأن الغلو في مكان يولد غلواً في مكان آخر. ولا يجوز الخروج بفتاوى تعزز الطائفية، إن كان في العراق أو في أي دولة عربية»، لافتا الانتباه الى «أننا كعلماء مسلمين يجب أن نعمل على تجنيب لبنان هذه الفتن، فليس في الفتن خير ويجب ألا نكون وقوداً للمستعمر الذي يريد أن يستعمرنا من جديد. ولا نريد للعراق أن يستنزف بشعبه، فأبناء العراق هم من أهل البلد المتجذرين، ولا يمكن أن يلغى منهم أحد». وختم: «إن الحل هو في أن يجلس أهل العراق ويتداعوا للحوار، لتأسيس دولة للجميع».
الرافعي
ويقول الرئيس السابق لـ«هيئة علماء المسلمين» الشيخ سالم الرافعي «إن ما حصل في العراق كان متوقعا، بعد الحقن الطائفي والممارسات الظالمة لحكومة عملاء إيران ضد السنة هناك، لذلك، فان العراق يشهد ثورة لأهل السنة، وطبعا هناك دور لتنظيم داعش، لكنه لا يشكل القوة الكبرى في ما يجري أمام دور العشائر والثوار وسائر المشاركين، لكن التركيز يكون على هذا التنظيم من قبل وسائل الإعلام حتى يتم إلغاء دور الجميع، وإظهار سنة العراق بأنهم متطرفون وإرهابيون، وهذا يدخل من ضمن المؤامرة الكبرى على السنة في المنطقة العربية برمتها».
الشهال
ويرى مؤسس التيار السلفي في لبنان الشيخ داعي الاسلام الشهال أن «سياسة إيران عبر الطائفيين، من المالكي وأمثاله في العراق، هي التي أدت الى تدهور الأمور بهذا الشكل»، معتبرا أن «ما حدث هو امتداد للربيع العربي في مواجهة الظلم والطغيان والطائفية البغيضة التي تقودها إيران في المنطقة بدعم قوى دولية، وهي ثورة شعب وانتفاضة سنية مباركة من أجل استرداد الحقوق والكرامة».
ويقول الشهال: «إن التركيز على إسم داعش يهدف الى تشويه صورة الثورة وتقزيمها وإظهارها بأنها ثورة متطرفين، ليكون هناك سني متطرف بوجه شيعي متطرف، وهذه مؤامرة كبرى على أهل السنة، ولتبرير ارتكاب المجازر بحقهم في العراق إقليميا ودوليا، ولإرعاب كل من يمكن أن يدعمهم».
ويؤكد الشهال «أننا ضد الارهاب أو التطرف من أي جهة أتى، وضد إرهاب وتطرف حكومة المالكي».
بارودي
ويشير شيخ قراء طرابلس بلال بارودي إلى «أننا لم نكن في يوم من الأيام مع أي عمل إرهابي أو متطرف، ولن نسمح لأنفسنا أن نكون مع الارهابيين أو المجرمين، لكن في الوقت نفسه لا يمكن أن نكون مع الظالم»، لافتا الانتباه الى أن «ما يحصل في العراق هو ثورة شعب مظلوم ضد الظالم، تماما كما حصل في سوريا، وأن حكومة نوري المالكي تعمل على تشويه هذه الثورة من خلال اتهامها بالارهاب والتطرف، والتركيز على داعش».
ويقول بارودي: «كما نعلم ان داعش تعد نحو 1600 مقاتل، وإذا كانت من خلال هذا العدد البسيط قادرة على احتلال الموصل وأجزاء واسعة من العراق، في مواجهة عشرات الآلاف من الجنود العراقيين، فعلى الجميع أن يسلموا داعش مقاليد الحكم لأنها الأقوى، ولكن ما يجري هو أن الآلاف من ضباط الجيش والعناصر والعشائر انتفضوا على سياسة الاقصاء والظلم التي ينتهجها المالكي، وأعتقد أن ما يجري هو إعادة الأمور الى نصابها في الربيع العربي. وكما أن بداية الظلم كانت من العراق، فان بداية الفرج تنطلق اليوم من العراق، وكل من يقف الى جانب الظالم في البلدان المحيطة سيدفع الثمن عاجلا أم آجلا».
الزعبي
ويقول رئيس «جمعية الأخوة الاسلامية» الشيخ صفوان الزعبي: «إن ما يحصل في العراق مسؤول عنه الممارسات الطائفية والشخصانية للمالكي، والاعتراض عليه وعلى سياساته ليس من السنة فقط، بل من الشيعة أكثر من السنة، والأحداث الأخيرة التي بدأت تشارك فيها أربع قوى هي: العشائر، والقوى البعثية والوطنية العراقية التي قاومت الاحتلال الأميركي، والمجلس العسكري في الأنبار، وداعش وهي الأقوى والأكثر رعبا في العراق».
ويضيف الزعبي: «إن التعاطي الاعلامي الغربي هو الذي يضخم قوة داعش، ما يشير الى أن هناك مؤامرة على القوى السنية، وللأسف فان السنة دائما ما يكونون أدوات هذه المؤامرة من حيث يدرون أو لا يدرون، والنتيجة ستؤدي الى تدخل إيراني حتمي في العراق في حال فشل قوات المالكي في السيطرة على الوضع، وسيكون ذلك بغطاء أميركي تحت عنوان مكافحة الإرهاب».
رحيم
ويقول الشيخ نبيل رحيم: «لا أخشى أن ينتقل المشهد العراقي الى لبنان بسبب تركيبته الطائفية والسياسية التي لا تسمح بذلك، وأرى أن ما يحصل في العراق هو نتيجة الظلم الذي مارسه نوري المالكي تجاه فريق عراقي كبير، حيث استأثر بالسلطة وهيمن على الحياة السياسية ما أدى الى حصول هذا الانفجار، ونخشى إن استمرت الأمور من دون معالجة أن يؤدي ذلك الى تقسيم العراق».
الشعار: ليس لـ«داعش» وكر أو متر في طرابلس
استغرب مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار التركيز على طرابلس وكأنها منبع لـ«القاعدة» ولـ«داعش» ولغيرهما، «وتصوير المدينة كأنها تخرج منها الجــيوش، في ضوء ما حدث أخيرا»، مشدداً على أنّ «ليس لـ«داعش» أي وكــر او أي متر أو فتر في طرابلس، وهي لا تحتضن واحدا لا من داعش ولا من القاعدة».
وأكّد، أمام عدد من المشايخ والإعلاميين، أمس، أنّ «طرابلس لم تحتضن يوما فكرا إرهابيا له علاقة بالقاعدة أو داعش، بل هي كانت ولا تزال تتمسّك بالدولة والجيش وقوى الأمن الداخلي وسائر مؤسسات الدولة كأي منطقة لبنانية.