في اعتقاد مصادر ديبلوماسية ان سبب الشغور الرئاسي ليس لبنانياً داخلياً فقط انما خارجي ايضاً، فالدول المعنية بوضع لبنان تفضل انتظار التطورات العسكرية والسياسية في المنطقة كي تبني على الشيء مقتضاه، فإما تفرض هذه التطورات رئيس تسوية للبنان، أو تفرض رئيس غالب ومغلوب وهو ما ليس بالامكان تحديد صورته الآن لئلا يتكرر الخطأ الذي وقعت في سوريا في لبنان وكادت ان تقع فيه ايران في العراق.
في الماضي أقدمت “سوريا الأسد” عند شعورها بأنها في موقع قوة على فرض استقالة حكومة “الوحدة الوطنية” التي كانت برئاسة سعد الحريري خلافاً لاتفاق الدوحة، وتم توقيت هذه الاستقالة لدى دخول الرئيس الحريري البيت الابيض لمقابلة الرئيس أوباما وبإعلان صدر من مقر العماد ميشال عون في الرابية، وتم تشكيل حكومة اللون الواحد برئاسة نجيب ميقاتي وقد عُرفت بحكومة “حزب الله” لأن هذا الحزب استطاع بعرض قوة للقمصان السود جعل كتلة النائب وليد جنبلاط تنتقل من صف قوى 14 آذار الى صف قوى 8 آذار لتأمين اصوات الاكثرية المؤيدة لتسمية ميقاتي رئيساً للحكومة في الاستشارات النيابية التي أجراها الرئيس ميشال سليمان، وهي استشارات تأجلت اسبوعاً بهدف التوصل الى توفير هذه الاكثرية.
لكن حساب حقل سوريا الاسد لم يطابق حساب البيدر، إذ ما ان تشكلت هذه الحكومة وعُدّ تشكيلها انتصاراً سياسياً لفئة على فئة حتى اندلعت ثورة شعبية في سوريا ضد نظام الرئيس بشار الأسد، وكان لا بد من أن يكون لحكومة ميقاتي موقف منها، فكان هذا الموقف هو “النأي بالنفس” عما يجري في سوريا لأن اللبنانيين منقسمون بين مؤيد للنظام في سوريا ومناهض له. وظلت سياسة النأي بالنفس موضع اختبار الى ان قرر “حزب الله” بطلب من ايران التدخل عسكرياً في سوريا الى جانب الجيش النظامي بعدما بلغ ايران ان “الجيش السوري الحر” ومن معه بات يهدد دمشق بالسقوط، وسقوطها هو سقوط النظام وتاليا مشروع ايران التوسعي في المنطقة. وقد جعل هذا التدخل المخالف لسياسة الحكومة ولاعلان بعبدا الرئيس ميقاتي يقدم استقالة حكومته لأنه لم يعد قادراً على تحمل تداعيات تدخل “حزب الله” عسكرياً في سوريا. وأخرت التجاذبات السياسية اللبنانية الداخلية والتجاذبات الاقليمية والدولية حول الوضع في لبنان والمنطقة التوصل الى اتفاق على تشكيل حكومة برئاسة تمّام سلام اكثر من عشرة أشهر بسبب هذه التجاذبات، الى ان انتهى الامر باتفاق على تشكيل حكومة “وحدة وطنية” من غالبية القوى السياسية الاساسية في البلاد سماها سلام “حكومة المصلحة الوطنية”، في حين سماها الرئيس سعد الحريري “حكومة ربط نزاع” وسماها “حزب الله” حكومة التسوية، حتى إذا ما تعذر الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية انتقلت الى هذه الحكومة صلاحيات الرئاسة الاولى بالوكالة. وها ان الحكومة تعمل الآن وسط جزر ومد كما هي الحال في سوريا بين المعارضة والموالاة. أما ايران، التي أصبحت صاحبة الكلمة في لبنان وفي بعض دول المنطقة، فقد فضلت التريث في موضوع انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان ريثما تتوضح الصورة في العراق تجنباً للخطأ الذي وقعت فيه سوريا عندما استعجلت استقالة حكومة الرئيس الحريري ظنا منها انها تستطيع ان تعود وتحكم لبنان من خلال حكومة اللون الواحد برئاسة ميقاتي، وإذ بها تفاجأ بقيام ثورة داخلية لم تنته حتى الآن ربما لان الولايات المتحدة الاميركية، التي هي في مفاوضات حول الملف النووي مع ايران، لا تريد ان تتأثر هذه المفاوضات بما يجري في سوريا.
لذلك، فإن السؤال المطروح هو: هل بات على لبنان ان ينتظر تطورات الوضع في العراق وربما تطور المفاوضات حول الملف النووي، وهو انتظار قد يطول بحيث يفوق قدرة لبنان السياسية والامنية ولا سيما الاقتصادية على هذا الانتظار الطويل؟
حيال هذا الوضع اللبناني المرتبط بوضع المنطقة والتطورات فيها، تتساءل اوساط سياسية: أليس في الإمكان فصل الوضع في لبنان عما يجري في المنطقة وذلك باستمزاج رأي الدول المعنية في المرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية في لبنان توصلاً الى اتفاق على اختيار مرشح او اكثر ويتولى مجلس النواب الاقتراع السري وإعلان فوز من ينال اكثرية الاصوات المطلوبة؟ هذا إذا كانت هذه الدول، لا سيما الولايات المتحدة الاميركية وايران والسعودية، خدمة للبنان واستقراره، يهمها فصل ازمة انتخاباته الرئاسية عن ازمات المنطقة، خصوصا بين ايران والسعودية، وإلا يكون قد كتب للبنان ان يبقى مكباً لأزمات المنطقة وساحة مفتوحة للصراعات فيها ما دام القادة فيها لم يتفقوا بعد على تحييده عنها.