Site icon IMLebanon

لافروف.. مجدّداً!

                                                                  

ليس هناك أخطر من الخفّة السياسية في موضع الجدّ الدموي الملتهب والمولّع على مداه.. وليس هناك أخطر من الرعونة السياسية إذا أتت من أصحاب مسؤوليات جسام ومؤثّرة في مصائر ناس ودول.. وليس هناك أسوأ وأكثر مدعاة للقلق من رؤية وزير خارجية دولة عظمى (مفترضة!) يحكي مثل قائد ميليشيا محلي أو مثل شبّيح لغوي لا تهمّه الحقيقة بقدر ما يهمّه طمسها.

إلتقط سيرغي لافروف وزير الخارجية السوري (عفواً الروسي!) اللحظة الداعشية ليعود بالزمن عشر سنوات إلى الوراء، معتبراً أنّ ما يحصل راهناً هو تعبير عن فشل «المغامرة» الأميركية البريطانية في العراق!

.. قبل عام أو أكثر بقليل، نفّذت القوّات الفرنسية عملية عسكرية كبيرة ضدّ «القاعدة» في مالي، ويومها خرج لافروف (أيضاً!) ليشْمَتَ بالفرنسيين على طريقته قائلاً إنّهم يقاتلون في مالي مَنْ دعموهم في ليبيا!

في الحالتين، واليوم، أكثر من الأمس، وفي العراق (وسوريا) أكثر من ليبيا، بانت وتبان رعونة لا تليق بصاحبها، وخفّة لا تتناسب مع ثقل منصبه: ينسى أو يتناسى وزير خارجية بوتين، أنّ موسكو في العام 2003 لعبت دور الجرّافة السياسية أمام الجرّافة العسكرية الأميركية البريطانية. وأنّها «وصلت» إلى نتيجة وحيدة مماثلة لموقف الدولتَين و«مغامرتهما» بعد أن فشل مبعوثها المخضرم يفغيني بريماكوف في إقناع صدام حسين بالتخلّي عن الحكم.. واللجوء إلى روسيا!

وينسى أو يتناسى وزير خارجية بوتين الذي عيَّر الفرنسيين على قتالهم «القاعدة» في مالي، أنّه لولا دخول دولته العظمى في العام 1978 إلى أفغانستان لما انطلق العصف الأصولي التكفيري الإرهابي بكل ذلك الصخب والعنف.. وربما لما انهار نظام دولته تحت وطأة هزيمة جيشها الأحمر هناك!

والأنكى، أنّ لافروف يحاول بجملة كيديّة سريعة أن يغطّي على أطنان من الحقائق القائلة إنّه لولا موقف موسكو الداعم في السياسة والتذخير والتمويل لسلطة بشّار الأسد.. ولولا موقفها الانتهازي الباني على سلبيّة إدارة باراك أوباما، لما استمرّت النكبة السورية كل هذا الوقت، ولما تمدّدت واستطالت بهذا الشكل نحو العراق.. ولولا الدور الذي لعبه حلفاء موسكو، ولا أحد غيرهم، لتشويه ثورة شعب سوريا واختصارها بالجماعات التكفيرية لما تعاظم دور تلك الجماعات ونُفِخَ بالشكل الحاصل راهناً.

.. لكن مَنْ لم يخجل من دعم ورعاية وتمويل استباحة دماء السوريين، لا يُتوقّع منه أن يخجل من إمعانه في تزوير وتحريف الوقائع والحقائق وصولاً إلى ذلك الدرك الابتذالي والمخزي!