Site icon IMLebanon

لا المالكي ولا المعارضة يحميان المسيحيين

بادر نوري المالكي إلى مناشدة العالم حماية المسيحيين العراقيين، في نوع من توسيع دائرة المسؤولية عن تهجيرهم للتنصل. والحال أن جيش المالكي حين سلّم الموصل إلى المتطرفين متخلياً عن آلياته وأسلحته الفردية، تحولت المدينة العراقية الكبيرة منهبة لـ «داعش»، ولن يجد المالكي عذراً في تخوين هذا أو ذاك من قادة جيشه، لأن المشكلة في التكوين الأصلي لجيش بُني بعد الاحتلال محمّلاً بسياسات طائفية، رأينا أحدث تجلياتها في نفير استدعى متطوعين، معظمهم من طائفة محددة (الشيعة)، وموّلهم من خزانة الدولة العراقية المفترض أنها جامعة.

المالكي لا يحمي المسيحيين لأنه لا يحمي أصلاً العراقيين بأديانهم وأقوامهم وطوائفهم كلها، بل هو لا يحمي حتى طائفته التي يدّعي وحزبه «الدعوة» النطق باسمها، لأن الرجل على خطى ديكتاتوريين سبقوه ورأوا في أنفسهم الضامن الوحيد لوجود الدولة، بل لوجود الوطن نفسه.

مأساة مسيحيي الموصل رمز لتدهور الدول والمجتمعات في المشرق العربي، لكنها على الخصوص رمز لقصر نظر أهل الحكم والمعارضة في العراق.

أهل الحكم لأن معظمهم اعتمد أجندات انتقامية وغض النظر عن فساد مالي فاق التوقعات وعرقل إعادة بناء بلد دمرته حروبه الخارجية والداخلية وصولاً إلى خضوعه للاحتلال الأميركي، والمعارضة لأنها سلّمت نفسها إلى بعثيين سابقين اعتادوا التسلط وافترضوا أنهم سيعودون إلى فردوس الحكم ما إن ينسحب الجيش الأميركي، وقد ضخم هؤلاء حجمهم وابتعدوا عن الواقع فسلّموا المعارضة (ولنقل الثورة) إلى «داعش»، واستمروا حتى الأمس القريب في التقليل من شأن التنظيم المتطرف وتسويق أنفسهم قادة للمناطق التي احتلها وهجّر معظم أهلها واستعبد الباقين، ولم يتوقف البعثيون عن كلام التسويق هذا إلا عندما أخرسهم «داعش» أو سجنهم أو قتلهم. من يعرف حقاً مصير هؤلاء الذين اعتبروا الموصل يوماً عاصمة البعث فصارت عاصمة دولة مغامرين يرفعون باسمها راية إسلامية؟ وقد سبق المسيحيين في الهجرة القسرية من الموصل حوالى نصف مليون مواطن مسلم رأوا في حكم «داعش» كابوساً تهون أمامه ويلات الهجرة ومغادرة الأرض الأم وخسارة جنى العمر وما أورث الآباء والأجداد.

لكن تهجير المسيحيين من الموصل، مضافاً إلى نكباتهم في غير مكان عراقي، لا يمكن وقفه وإعادة الأمور إلى نصابها إلا بحكم عراقي وفاقي جامع، أي عودة المواطنة بعودة الدولة ذات القانون الواحد لشعب واحد، وهذا الأمر يبدو شديد الصعوبة في الجنون الطائفي الطاغي على الحراك السياسي في بلاد الرافدين.

والتهجير مسؤولية عراقية وإقليمية قبل أن تكون عربية وإسلامية وعالمية. ولن تكفي بيانات منظمة التعاون الإسلامي وبابوية روما، على أهميتهما، لتدارك تفكك المشرق العربي الذي يبدو المسيحيون طليعة ضحاياه. المسلمون مدعوون إلى وقف تسليم شعارهم الديني لمغامرين لا تضبطهم شريعة ولا إجماع ولا مصلحة، والعالم مدعو إلى وقف الهجمة الملتبسة على النفط والغاز في المشرق التي تتذرّع بالفوضى وتؤسس ميليشيات، وأحياناً عصابات، وتدعمها باسم هذه الدولة أو تلك، ولكن بوضع قفازات تخفي يد المجرم.

فوضى في المشرق، خصوصاً في العراق وسورية، لإطلاق يد الوصاية صراحة بعدما تهدأ نوبات الجريمة، الوصاية بما هي اسم جديد للاستعمار القديم.