لا ينفي مسؤول حكومي بارز كون الجيش اللبناني صورة مطابقة عن “شعوب” لبنان، لأنه خرج من صفوفها. ولا يقلّل الخوف على تماسكه، وخصوصاً اذا عادت هذه الشعوب إلى التقاتل لا قدَّر الله. وهذا أمر حصل في حروب 1975 – 1990. لكنه يقول ان الوضع الراهن في البلاد، وعلى صعوبته وخطورته، لا يشابه الوضع الذي كانت عليه عام 1975 يوم بدأت الحروب بين أبنائه. ففي ذلك العام امتنع مسؤولون كبار، وفي مقدمهم الرئيس الراحل رشيد كرامي عن اللجوء إلى الجيش لوقف العنف الذي تحول حرباً حرصاً على وحدته. وطبعاً كان هناك مسؤولون آخرون وسياسيون في حينه غير مقتنعين بأن وحدة المؤسسة العسكرية ستكون في خطر إذا قامت بواجبها الوطني في إطفاء الحريق ومنع الانزلاق نحو الحرب. وتبيّن لاحقاً أن خشية كرامي كانت في محلَّها، وأن موقفه نبع من اقتناعات سياسية ولكن في الوقت نفسه من متابعة يومية لأوضاع الداخل. فالصراع السياسي كان بين المسيحيّين والمسلمين حول أمور داخلية عدة ذات خلفيات خارجية. المسلمون اعتبروا الجيش ممسوكاً من المسيحيين ولذلك خشوا أي تدخل له في الشارع، وتعاونوا مع الوجود الفلسطيني المسلّح في البلاد بغية مواجهة المسيحيين عسكرياً والضغط عليهم للحصول منهم على تنازلات. والمسيحيون الذين كانوا بدأوا ييأسون من استعمال الجيش لحمايتهم من الفلسطينيين ومن مطالب المسلمين، باشروا تنظيم ميليشيات خاصة بهم للمواجهة حاضرة للتعاون مع بعض “القوات العسكرية” النظامية، إذا فرطت الدولة بكل مؤسساتها.
أما اليوم، يتابع المسؤول الحكومي البارز، فان الوضع مختلف. فالخلاف العميق هو مذهبي بين المسلمين، والطوائف الأخرى من مسيحية واسلامية انقسمت بين طرفيه. وليس في البلاد قوات ميليشياوية وتنظيمات عسكرية باستثناء “حزب الله”. ويعني ذلك غياب اي فريق مسلّح في مواجهته، وأن حرباً أهلية كالتي عاشها لبنان بين 1975 و1990 لا تبدو واردة رغم الاحتقان الكبير، ورغم العمل الأمني العشوائي للمتطرّفين الذين يقفون في مواجهته، ولذلك فلا خيار أمام الجيش الا الاستمرار متماسكاً وتنفيذ مهماته. كما أن لا خيار أمام قيادته الا استعمال الحكمة لتجنّب الانزلاق وتالياً الانفراط، وهذا ما تفعله حالياً. كما ليس أمام المسؤولين، المشلولة مؤسساتهم، وسائر السياسيين الا الابتعاد عن تحريض العسكريين على الانقسام وعلى مناصرة الأطراف المتعادين. إلى ذلك، يضيف المسؤول الحكومي البارز نفسه، الجيش اللبناني المدرّب يمتلك السلاح وإن غير القادر حتى الآن على تحقيق طموحاته كلها، والدول الكبرى كما الدول العربية تحاول أن تساعده في هذا المجال. ألا أن ذلك لن يعطي ثماره إلاّ إذا امتنع السياسيون والأطراف المتعادين عن جرّ اللبنانيين كلهم، مدنيّين وعسكريّين إلى الاقتتال. وهذا الأمر ليس حاصلاً اليوم. فـ”حزب الله” المسلّح حتى الأسنان يرفض الانزلاق نحو الحرب الأهلية رغم تمسّكه بمشروعه السياسي المحلّي – الاقليمي. وسنّة الاعتدال، بزعامة “تيار المستقبل” يرفضون الانزلاق نفسه. وهذا ما أنجح الخطة الأمنية، وإن بالتراضي، في طرابلس قبل أسابيع، وما يمنعها من “الانفراط” اليوم رغم وجود مصلحة للمتطرفين من كل الجهات في التخلص منها. وقد أكّد ذلك الرئيس سعد الحريري عندما استقبل في المملكة منفاه القسري وزير العدل اشرف ريفي، وشدَّد أمامه على ضرورة بذل كل الجهد اللازم في طرابلس وخارجها لمنع انهيار الأمن على نحو كلي.
طبعاً، يستدرك المسؤول الحكومي البارز نفسه، لا يستطيع الجيش أن يقوم وحده بكل شيء. فالأمن سياسي أساساً وهو في حاجة دائمة إلى قرار سياسي يغطّيه ويحميه. كما أنه في حاجة إلى هيبة الدولة والى حماية مؤسساتها وغطائها ورعايتها. ولا يبدو أن كل ذلك متوافر الآن للأسباب المعروفة. لكن المتوافر منه لا بأس به. فـ”حزب الله” ورغم “انشغالاته” غير الداخلية ينسّق مخابراتياً مع الجيش في الجنوب وذلك لمنع العناصر الفوضوية والأخرى المشبوهة من استغلال شلل الدولة اللبنانية، وتالياً التسبّب بحرب داخلية أو مع اسرائيل لا يبدو أن توقيتها مناسب الآن لأي عاقل. أما قوات الطوارئ الدولية فتفعل ما عليها بالتعاون مع الجيش. ويبدو أن هناك “اطمئناناً” تشيعه دول كبرى يفيد أن حرباً اسرائيلية على لبنان مستبعدة في هذه المرحلة لأسباب عدة منها ما يحصل في غزة ومنها ما يحصل في المنطقة.
لكن الاطمئنان هذا سيبقى غير كافٍ اذا لم يعمل اللبنانيون على اختلافهم على تثبيت الدوافع إليه.