Site icon IMLebanon

لا مجال إلا المواجهة مع التطرف

                                                     

«في بلاد يُغتال فيه المفكرون، ويُكفّر الكاتب وتُحرق الكتب، في مجتمعات ترفض الآخر، وتفرض الصمت على الأفواه والحجْر على الأفكار.

هلا تسمحون لي أن أعلّم ابني بأن الاقتداء بالرسول الكريم يبدأ بنزاهته وأمانته وصدقه، قبل لحيته وقصر ثوبه.

هل تسمحون لي أن أقول لابنتي أن صديقتها المسيحية ليست كافرة وألا تبكي خوفاً عليها من دخول النار.

هل تسمحون لي ألا أذكر عذاب القبر لأولادي الذين لم يعرفوا بعد ما هو الموت؟!»

نزار قباني

قصة الثيران الثلاثة معروفة، لكن من المفيد سردها باختصار، هي تحكي عن ثور أبيض وآخر أحمر وثالث أسود كانوا يتعايشون في حقل من العشب، فيأكلون عندما ينبت العشب، ويصبرون على جوعهم عند الشحائح. الأهم هو أنهم كانوا يتعاونون مجتمعين على صد أسد جائع ولئيم يحوم حولهم.

في يوم أقنع الأسد الثورين الأحمر والأسود بأنه لا يستهدفهما، فهو فقط لا يحب اللون الأبيض، فاقتنع الثوران ليكفيهما الأسد شر القتال وجروحه الموجعة، وطمعاً أيضاً بحصة الثور الأبيض من الغذاء.

استفرد الأسد الثور الأبيض، فأكله أمام صاحبيه المتجاهلين بعد أن أشاحا بوجهيهما عن دماء رفيقهما. عندما جاع الأسد من جديد كرر المؤامرة مع الثور الأسود فأكل الثور الأحمر. في النهاية جاع الأسد كعادته! عندها استدرك الثور الأسود وقال نادماً عندما أصبح هو الضحية «لقد أُكلت يوم أكل الثور الأبيض».

قصة مماثلة تحدثت عن ألمانيا أثناء الحكم النازي عن كاهن كاثوليكي أصبح مطارداً من قبل الغستابو لاتهامه بأنشطة معادية للنظام، قبيل مقتله قال:

«كنا مجموعة من الناشطين في البداية، عندما اعتقل الشيوعي لم نحرك ساكناً، وعندما قتل الغجري لم نحرك ساكناً، وهكذا مع اليهودي والبروتستانتي، إلى أن جاء دوري فلم يبق أحد ليتحرك من أجلي».

في مشهدية حديثة، مجموعة من العصابات المسلحة تحت شعارات إسلامية، ضربت رحالها في العراق والشام وأخذت تتمدد كالسرطان من دون رادع. في البداية لم يواجهها أحد على الرغم من مظاهر التطرف في التصرف والمسار للظن أن هذا التطرف هو ضد الآخر، إلى أن تبين أن الآخر هم كل البشر.

المشهدية الأخيرة كانت في الموصل عندما وقف مئات الآلاف من سكان الموصل يتفرجون على بضعة آلاف من المسيحيين يخيرون بين الخضوع أو الهجرة أو الموت. هؤلاء اختاروا الهجرة، لكن من بقي من غير المسيحيين، أي السنة، وقعوا تحت حكم الإرهاب وتحولوا إلى قطعان من الماشية يسوقها كلب مسعور وراعٍ متعطش لشرب الدماء.

لن أناقش هنا خلفية هذه الظواهر وأسبابها العقائدية وتسويغها على أساس ردود فعل على تطرف الآخرين، ولا شك أن اجتماع الفقر مع الجهل والقهر والقمع كلها عناصر تساهم في بناء التطرف. ما أريد أن أسلط الضوء عليه هو جريمة الحيادية في قضية كحالة داعش، وعلى الأخص من جانب أهل السنّة في لبنان وخارجه.

إن حيادية بعضنا تجاه الإجرام تحت شعارات «لا إله إلا الله» الداعشية هو بالأساس مخالفة لكل قواعد الدين الإسلامي وهو بمثابة التعايش مع الشيطان لمجرد أنه يطال الآخرين. لكن سرعان ما ينقض الإجرام المتطرف فيقضي مباشرة على الجميع، ويقضي حتى على أسس الإيمان المبني على الخيار الحر للمؤمن.

لقد تبين بوضوح من حكم طالبان في أفغانستان بأن الضحايا الأساسيين لحكمهم لم يكن قبائل «الهزارا» الشيعية، ولا بقايا البوذيين الذين دمرت تماثيلهم في باميان متسببة بكارثة تراثية، بل كان أكثرية السكان من السنّة الذين وقعوا تحت تسلط الملا عمر ووحشيته هو وجماعته من المجرمين أصحاب العمائم، فأعدموا ورجموا حتى الموت عشرات الآلاف من السنّة، وفرضوا حكم الإرهاب على الناس، وحولوا النساء إلى أدوات للمتعة والإنجاب وللخدمة المنزلية.

إن السنّة اليوم مطالبون قبل غيرهم بوقفة واحدة من دون تردد دفاعاً عن الحرية، حرية العبادة وحرية الإيمان وعن حرية الآخرين بالاختلاف قبل أن يأتي يوم نقول فيه «أُكلت يوم أكل الثور الأبيض».

([) عضو المكتب السياسي في «تيار المستقبل»