حضرَ لبنان في ورَش العمل المتفرّعة عن منتدى الدوحة، والتي ناقشَت مواضيع مختلفة، أبرزُها: «الديموقراطيّة، بناء ما بعد التغيير»، و»إكتشافات الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط: الفرَص والتحدّيات».
تنوّعت المداخلات، وكانت إحاطاتُها شاملة. حاولت أن تقدّم تشخيصاً موضوعيّاً لما يواجه الشرق الأوسط من أزمات تتطلّب حلولاً تضمن له الإستقرار. كان شبهُ إجماع على أنّ ثورات الربيع العربي أطاحت ببعض حكومات الإستبداد، لكنّها لم تأتِ ببرامج ثوريّة بديلة لتطبيقها، بل نجحت في كسر حاجز الخوف عند الشعوب، وأشاعت مناخاً من الحرّيات، إلّا أنّ النتائج جاءت كارثيّة، كونها فتحت الأبواب على الماضي بدلاً من أن تشرّعها على المستقبل، وإذا الربيع يتحوّل فوضى عارمة من الإصطفافات المذهبيّة والطائفيّة والعرقيّة والفئوية، بدأت تشكّل مقدّمات لمواجهات تتجاوز الحرب الباردة إلى الساخنة داخل البلدان، وفي ما بينها.
الديموقراطية اللبنانية التي تناولتها بعض المداخلات، لم تكن بالنموذجيّة لأنّها على موعد دائم مع التقلّبات. مشكِلة لبنان أنّه الساحة المفتوحة أمام نزاع المحاور، والمشكلة الأكبر أنّ ثورات الربيع العربي لم تضِف إلى تجربته جديداً يزيد من مناعتها، بمقدار ما أنهكتها بإضافات مدمّرة بحيث تراجعت المواطنية أمام غلوّ المذهبيّة، وزادت المخاوف من مواجهات سُنّية – شيعيّة على خلفية ما يعيشه العراق، وما تشهده سوريا، والتداعيات التي تعكسها على الديموقراطيّة التوافقيّة، وقد ضاعفت من الأوزار التي تنوء تحتها خصوصاً بعدما تجاوز النزوح كلّ الخطوط الحمر، ومع ذلك بقيَت وصمدت، في رأي العديد من المحاضرين، لأنّها حاجة وضرورة بها يبقى لبنان، وبزوالها يزول، قيمته أنّه مساحة حوار، يعترف بالآخر، ويحترم خصوصيّاته؟!».
هل المطلوب أن تمتثل الديموقراطيات الوليدة بالتجربة اللبنانية؟ السؤال قد طرح، والإجابات جاءت متفاوتة، مع أرجحيّة واضحة بأنّ الربيع العربي الذي غرق في مستنقعات الفئويّة والطائفيّة، إستولدَ كلّ أحقاد الماضي، ودفع بها إلى السطح، وبات واضحاً أنّ الشعوب المنتفضة لا يمكنها الوصول إلى ديموقراطية آمنة، إلّا إذا كانت توافقيّة، وإلّا فإنّ التباينات التنموية، والدينيّة، والثقافية، والحضارية قد تولّد ديكتاتوريات جديدة، أو قد تدفع نحو حروب أهليّة لا عودة سالمة منها.
وكان الغاز الموضوع الأبرز، دخل لبنان النادي من الباب العريض، إهتمامٌ لا يوصَف من حيث الدقّة والشموليّة في المعلومات، والتدقيق بمصادرها، ويسجّل للّذين تولّوا هذا الملف في الحقبة الأخيرة كلّ الفضل في استقطاب هذا الاهتمام الدولي – الإقليمي بحاضر الطاقة، ومستقبلها في لبنان. إلّا أنّ التنظير شيء والفعل شيء آخر، حتى الآن ليس هناك من نفط أو من غاز، هناك مجلّدات من الدراسات، والتنظيرات. وللوصول إلى الإفادة هناك دربٌ طويل لا بدّ من سلوكه، ومراحل معقّدة يفترض أن يديرها فكر سياسيّ وطني متحرّر من المزايدات المصلحيّة والمذهبيّة الضيِّقة. لا بدّ أوّلاً من التفاهم مع دول الجوار المعنيّة، إمّا مباشرةً، او عبر الأمم المتحدة، أو الولايات المتّحدة، أو أيّ مرجعيّة دوليّة نافذة تلعب دور الوسيط الضامن. المفاوضات غير المباشرة بدأت من منظار بعض مراكز البحوث الدراسات الإستراتيجيّة، وقد كانوا كثُراً في منتدى الدوحة، لكنّ النتائج بطيئة لأن لا وضوح وطنيّاً حول طريقة مقاربة هذا الملف الحيوي في ظلّ الإنقسامات السياسيّة والإصطفافات المذهبيّة. والعقدة الأدهى أنّه ليس منفصلاً عن الملفات الخلافيّة الأخرى، ولا عن التداعيات التي قد تفرزها المصالحات والتسويات الناشطة في منطقة الشرق الأوسط، وأخطر هذه التداعيات ترسيخ النزوح الذي تقفز أرقامه، وتأكيد التوطين الذي تكبر إحتمالاته.
في اختصار لم يكن لبنان التبّولة، والكبّة النيّة، في ورش عمل منتدى الدوحة، بل لبنان الحاجة والضرورة بديموقراطيته التوافقيّة التي تعترف بالآخر، وتحترم خصوصيته، وأيضاً لبنان الواعد أرقاماً وحسابات وتوقّعات مرتبطة بثروته النفطيّة، والتي فتّحت عيونَ دول كبيرة ونافذة من الصين الى روسيا الى الولايات المتحدة، دون إغفال الآخرين كلّ الآخرين.