مضى الموسم الشتوي في لبنان، بعد أن خلف تراجعا كبيرا في معدلات سقوط الأمطار والثلوج، إلى درجة أن قلة سماكة الثلوج لم تشجع أحدا للتزلج عليها. وقلما فتحت المنتجعات الجبلية أبوابها، كون الرواد كانوا يصلون إليها، فلا يجدون إلا جبالا جرداء قرعاء مسها الثلج الخفيف مسا، وذاب بعد هطوله بسرعة. لذا فإن خزين الماء في الينابيع والتجمعات الجوفية، وحتى في الأنهار السطحية لم يكن كافيا لتوفير الاحتياجات المائية العادية في هذا الموسم الصيفي الذي طرق الأبواب بشدة.
وها هي عيون المياه والينابيع والبرك والبحيرات الطبيعية والاصطناعية والأنهار والسواقي التي كانت تشتهر بغناها في توفير المياه، وفيضانها في بعض الأحيان، قد جف بعضها، وبعضها الآخر حافظ على وجود خيوط رفيعة من بقايا مياه. وها هي صهاريج المياه أخذت تنافس صهاريج البنزين والمازوت والكاز والغاز وغيرها في التنقل بين الطرقات والبيوت والمزارع الصغيرة. لا فرق في ذلك بين المدن أو البلدات أو القرى، علها توفر قسما بسيطا من المياه التي لم يتساقط منها إلا نحو 295 ميلليترا في هذا العام. وهو أقل المتساقطات المائية منذ العام 1939، علما إن المعدل الوسطي للمتساقطات المائية السنوية هو 690 ملليترا، بحسب مدير مصلحة الأبحاث العلمية والزراعية في تل عمارة ميشال أفرام (السفير 6/6/ 2014).
وما دمنا قد ذكرنا أرقام متساقطات هذا العام، فإن علينا الإشارة إلى التفاوت في نسبة الهطولات المطرية بين المصدر السابق، وبين مرصد قاع الريم الذي سجل 475 ملليترا من الهطولات هذا العام، كما جاء في المصدر نفسه. إلا إذا كان هذا التفاوت في الأرقام يعود إلى تفاوت بين منطقة وأخرى.
ومن الجدير ذكره أنه يوجد مرصد لقياس كميات الأمطار المتساقطة يوميا وشهريا وسنويا في بلدة قاع الريم منذ العام 1939 وحتى اليوم، حيث أقيم المرصد في عهد الاستعمار الفرنسي. وجاء في تسجيلات المرصد بحسب ما جاء في صحيفة السفير في 12/6/2014 أن هطولات هذا العام وصلت إلى 665 ملليلترا في لبنان، وهذا الأمر يدعو إلى العجب والاستغراب، وإلى نقص التدقيق في الأرقام بصورة علمية مواكبة.
وإذا كان لبنان يعتبر في سنوات سابقة بلدا للمياه الفائضة، إلى درجة الطمع في مياهه من قبل العدو الصهيوني، ومحاولة مصادرة بعضها، فإنه يشكو الظمأ في هذا العام. وهذا يعود إلى شح المطر الذي نزل في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، ببلدانها كلها، ومنها لبنان بطبيعة الحال. لذا فإن كانت بعض المناطق اللبنانية التي اشتهرت بغناها في المياه السطحية والجوفية. وكانت منتجعاتها تستقبل آلاف الزوار، فإنها أعلنت عن ترد وشح في منسوب مياه ينابيعها وأنهارها. كما في مياه نهر الليطاني، أكبر الأنهار في لبنان، وفي غيره من الأنهار. وكان لافتا في هذا المجال أن مياه رأس العين في مدينة بعلبك قد غاضت ونشفت، ولم يبق في نهرها وسواقيها وينابيعها أي نقطة ماء، إلى درجة أن الجهات المختصة باشرت بحفر بئر ارتوازي، علّ ما يجود به من مياه، يمكن أن ينقذ ما يمكن إنقاذه من توفير مياه الشفة، أو يسقي أشجار منتجعاتها ومقاهيها ومساحاتها الخضراء؛ علما أن هذه العين كانت مقصدا لأباطرة الرومان منذ آلاف السنين. وكان الأباطرة يرتادونها في أوقات معينة يستروحون فيها وينتجعون هم وأفراد من حاشياتهم. كما أن عشرات المواقع القائمة على الينابيع والأنهار، أصابها ما أصاب نبع رأس العين من نشاف أو شح في المياه. فأغلقت أبوابها وأخذت تبحث عن حلول فردية أو جماعية، من بينها حفر آبار ارتوازية عديدة.
وهذا الأمر لم يقتصر على منطقة وحيدة في لبنان، بل أصاب جميع المناطق في الشمال والجنوب. والبقاع والجبل. وقد ذكر رئيس بلدية زغرتا- إهدن المهندس توفيق معوض أن المياه لن تنقطع عن إهدن، إنما سنعمد إلى تقنين توزيعها بسبب الجفاف الذي لم يطل إهدن فحسب، بل لبنان كله. وأضاف قد يؤدي الأمر إلى تقنين يطال الأحياء السكنية كلها بمعدل يوم انقطاع يقابله يوم تغذية، وفق برنامج محدد وموزع على الأهالي، على أن يكون عادلا وشاملا لمختلف أحياء إهدن. كما جاء في صحيفة السفير في 3/6/2014. وهذه الأوضاع يمكن أن تكون أسوأ في بعض المدن والبلدات اللبنانية، خصوصا في ظل أزمة التقنين الكهربائي التي تشمل لبنان كله. كما أن ضغط النازحين الذي فاق المليون نسمة، فاقم من أزمة المياه والكهرباء ومثل عبئا على البنى التحتية الأخرى، في ظل عدم وجود حلول حقيقية طويلة الأمد . أما المتوافر والموجود، فما هو إلا محاولات ترقيعية آنية هدفها تقطيع الوقت وصولا إلى موسم شتوي ربما يكون أفضل مما سبقه.