Site icon IMLebanon

لبنان دفع ثمن الأمن وصاية سورية فهل يدفع ثمنه مجدّداً بالشغور الرئاسي؟

هل كُتب للبنان أن يدفع كل مرة ثمناً غالياً من حريته وسيادته وحتى من كرامته وقراره المستقل للحصول على الأمن والاستقرار؟ فبعد أحداث 1958 خيّر اللبنانيون بين أمن واستقرار يؤمنهما الجيش بانتخاب اللواء فؤاد شهاب رئيساً للجمهورية، أو أن تستمر الأحداث، فوافقوا على أن ينعموا بحرية قليلة مقابل أمن كثير… وبعد الحرب الداخلية في لبنان التي استمرت 15 سنة وكانت حرب دمار وخراب، اشتاق اللبنانيون الى الأمن والاستقرار فقبلوا بالوصاية السورية على استمرار هذه الحرب العبثية. لكن اللبنانيين صاروا كلما طالبوا بانهاء هذه الوصاية التي دامت 30 سنة يكون الجواب: هل تريدون عودة الحرب والاقتتال في لبنان؟ ولأنهم يخافون كثيراً هذه العودة، كانوا يقبلون، ولو مكرهين، ببقاء الوصاية وإن على حساب سيادة الدولة اللبنانية وسلطتها وقرارها الحر. وبعدما انتهت الوصاية السورية خلفتها وصاية سورية أخرى بلباس لبناني تمثلت بقوى 8 آذار وبقيادة “حزب الله” المسلح. فمن أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار والسلم الأهلي، وافقت قوى 14 آذار على أن لا تحكم الاكثرية النيابية التي فازت بها في انتخابات 2005 و2009 لأن 8 آذار اعتبرتها اكثرية نيابية وليست اكثرية شعبية… كي تفرض عليها حكومة تتمثل فيها الأكثرية والأقلية وتسمى، وإن كذباً، “حكومة وحدة وطنية”. وقد تكرر تشكيل مثل هذه الحكومة لسنوات مع أنها كانت فاشلة وغير منتجة كونها تضم وزراء غير منسجمين وغير متجانسين وليسوا من خط سياسي واحد لكنها كانت تناسب قوى 8 آذار التي كل ما كان يهمها أن تمنع صدور قرارات لا ترضى بها أو لا ترضى بها سوريا. وقد أضاع تشكيل مثل هذه الحكومات ما يقارب الثلاث سنوات من عمر عهد الرئيس ميشال سليمان توصلاً الى اتفاق على تشكيلها ومعالجة الخلافات على توزيع الحقائب بين سيادية وعادية وخدماتية. وكان كلما بلغ الخلاف بين 8 و14 آذار حد تهديد الأمن والاستقرار والسلم الأهلي تتراجع قوى 14 آذار عن مواقفها معتبرة نفسها أنها وحدها “ام الصبي” خصوصاً عندما يهدد “حزب الله” بالشارع كلما لم يعجبه قرار أو موقف سياسي.

وقد حال الخلاف بين هذين التكتلين دون التوصل الى اتفاق على قانون جديد تجرى الانتخابات النيابية على أساسه في موعدها الدستوري، فكان الحل الذي لا مفر منه هو التمديد لمجلس النواب سنة وخمسة أشهر وإلا كان الفراغ. وها إن موعد نهاية هذا التمديد يقترب وتواجه الحكومة مشكلة اجراء انتخابات نيابية على أساس قانون الستين المرفوض من الجميع ولكنه مفروض بحكم الواقع اذا تعذّر الاتفاق على قانون جديد، فتواجه 14 آذار مرة أخرى خيارين: إما القبول باجراء الانتخابات على أساس قانون الستين، وإما التمديد مرة أخرى للمجلس، وإلا كان الفراغ المجلسي بعد الفراغ الرئاسي الذي تسبب به الخلاف على انتخاب رئيس للجمهورية، لأن للثنائي عون – نصرالله حسابات تختلف عن حسابات 14 آذار وهي أن يستمر الشغور الرئاسي الى أن يصير اتفاق على رئيس مقبول، ليس من هذا الثنائي فقط انما من سوريا وإيران، ولا أحد يعرف متى يتم هذا الاتفاق ما دام صراع المحورين السعودي – الايراني في المنطقة يكاد يتحوّل، ليس الى صراع نفوذ فحسب، بل الى صراع وجود، وأخطر ما فيه دخول التنظيمات الجهادية والأصولية على الخط.

ويحاول “حزب الله” الآن تعويض الشغور الرئاسي والسكوت على استمراره بجعل حكومة “المصلحة الوطنية” كما يسميها الرئيس تمام سلام، وحكومة “التسوية” كما يسميها الحزب، تعمل بانسجام وتعاون بين أعضائها، وتحافظ على استمرار الأمن والاستقرار وإن في حده الأدنى، وتقديم ذلك على أي أمر آخر حتى على الانتخابات الرئاسية الى أن يحين الوقت المناسب لإجرائها. فكما وُضع اللبنانيون في الماضي بين خيار العودة الى الحرب أو القبول بالوصاية السورية، فإن الحزب يضعهم الآن بين خيارين: إما أن يستمر الأمن والاستقرار في انتظار الاتفاق على رئيس، وإما أن نخسر الأمن والاستقرار، خصوصاً أن “داعش” على الأبواب اذا جرى الانتخاب من دون اتفاق.

فهل يكون ثمن الشغور الرئاسي الأمن والاستقرار كما كانت الوصاية السورية ثمن منع عودة الحرب، وقد دفع لبنان هذا الثمن من حريته وسيادته وقراره المستقل، وهو يدفعه الآن قبولاً بالشغور الرئاسي وتهديداً بالفراغ الشامل؟