كتبها كامل مروة ذات يوم من عام ١٩٤٨ أن “هذا الكيان ليس ممسحة”. قال كلمته في “الحياة” ومشى. ما أشبه اليوم بذلك الأمس قبل ٦٦ عاماً. لو لم يكن لبنان على هذه الحال، لما تحوّل جمهورية بلا رئيس، ولما رأينا أيضاً هذه “المساطر” من نوابه العاجزين عن التصويت، ولما بقي الجيش اللبناني وحده رمزاً للدولة، في هذا الكيان الممزق.
كان ينقص لبنان الإرهاب وتلك الخلايا النائمة فيه، فضلاً عن ذلك العابر حدود الدول. قبل أن “يتفلسف” كثيرون حول الإرهاب وأخطاره، خاض الجيش اللبناني معارك ضارية لاجتثاث هذه الآفة من مخيم نهر البارد. جاءت “فتح الإسلام” من سوريا، وعاد قائدها شاكر العبسي اليها في ظروف ملتبسة. تصدت المؤسسة العسكرية لهذه الظاهرة قبل ذلك وبعده في الشمال وفي الجنوب وفي بيروت. استحق الرئيس السابق ميشال سليمان التحية تلو التحية – على المستويات المحلية والدولية وفي الأمم المتحدة – على القيام بهذا الواجب باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة.
ارتكبت المجموعات والأفراد اللبنانيون أخطاء فادحة بالإنخراط في المقتلتين السورية والعراقية. يخطىء من يعتقد أن “حزب الله” لم يقلد الولي الفقيه في الذهاب لحماية “الست زينب” في دمشق، ونبل والزهراء في حلب، والجهاد في القصير والقلمون. ليس الآن وقت اجراء عملية حسابية للأرباح والخسائر من المشاركة في هذه الحرب الضروس مع “جبهة النصرة لأهل الشام” و”الدولة الإسلامية في العراق والشام – داعش”. غير أن الواجب يقتضي على الأقل احصاء عدد معتنقي فكر “القاعدة” ممن “تسربوا”، وخصوصاً ضمن أكثر من مليون لاجىء من السوريين والفلسطينيين الذين ينتشرون في كل المناطق اللبنانية، وليس فقط في عرسال ومحيطها وعلى طول الحدود السائبة مع سوريا.
لا تقلل هذه الأزمة شأن “البيئة الحاضنة” لهذه الجماعات الأصولية أصلاً. غير أن هذه البيئة ما كانت لتتكوّن لولا المظالم الكثيرة المحقّة لأهل السنّة من “جور” من لديهم هوى الشيعة. يثير اشتداد العصبيات الطائفية الكثير من المخاوف على امتداد المنطقة العربية، وما هو أبعد منها بكثير، لأن انفجار حرب سنية – شيعية تحت أي عنوان قد يشكل هذه المرة خطراً ماحياً للأقليات، من المسلمين وغيرهم، وخصوصاً في لبنان. لبنان هو البلد الوحيد في الشرق الذي ينعم برئيس مسيحي، والذي يشكل نموذجاً لديموقراطية (ولو كسيحة الآن) في مواجهة السعي الى “صفاء” اسرائيل كـ”دولة يهودية”. بقية الدول في الشرق الأوسط، ومنها العربية، استبداد واستعباد، إما عسكري وإما ديني.
كتب كامل مروة: “أوجه كلامي الى المتطرفين في الاتجاهين المعلومين، وأسائلهم التفكير قليلاً قبل الاندفاع الأعمى نحو المطالبة بتمزيق لبنان (…) لا يطالب بالتمزيق إلا كل جاهل بالأوضاع الدولية، بلغ منه التعصب حد الطغيان على المنطق والتعقل (…) انظروا الى أبعد من أنوفكم”.
لئلا يستخدم فعل آخر، كاد يقول: ما أتعس اللبنانيين في عنادهم!