افتتاحية الشرق الأوسط
مع العد التنازلي ليوم 25 مايو (أيار)، آخر أيام فترة رئاسة الرئيس اللبناني ميشال سليمان، تسارعت الخطى وتكاثرت التحركات، التي يظهر أن بعضها جدّي وإيجابي، والبعض الآخر تعطيلي لا يخلو من مناورات.
من حيث المبدأ، يجب التوقّف عند بضع مسائل أساسية في سياق مناقشة ما هو مفيد وما هو مسيء إلى مستقبل لبنان. وبالنظر إلى كون لبنان مُتنفسا للعرب ومنفذا تنفذ عبره إليهم رياح متعاكسة، لا بد من تناول ما تتمناه المنطقة العربية له وما ترجوه منه. ولئن كان اللبنانيون هم المعنيّين مباشرة بمن يتولى رئاسة دولتهم، فمن واجب أولئك الحريصين حقا على دور لبنان الإيجابي تقديم النصح ولفت الانتباه والتحذير من المخاطر الكبرى التي ما عادت محصورة في النطاق المحلي خلال هذه الفترة العصيبة من عمر المشرق العربي.
من أبرز هذه المسائل، أن بعض «الحدود السياسية» التي رُسمت في المنطقة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، آخذة في التساقط والانهيار تحت اندفاعة مشاريع إقليمية قائمة على الغَلَبة والاستئثار. وسيكون ثمن هذه الحالة باهظا على شعوب المنطقة إذا ما انجلت الاندفاعة الخطيرة لأصحاب هذه المشاريع عن «دول فاشلة» أو «كيانات ممزقة».
وثمة مسألة أخرى مهمة، هي مسألة التعايش المهدّد بين مكوّنات الكيان الواحد، والعلاقات التي أضحت، للأسف، إشكالية بين الأكثريات والأقليات. وهذا واقع كان اللبنانيون أوّل من أدركه واستوعبه وتحمّل الكثير من الآلام من تداعياته. وبالتالي، يقول المنطق إنه يفترَض باللبنانيين، الذين خبروا من قبل ما يمرّ به اليوم كل من العراق وسوريا، أن يكونوا اتّعظوا من الماضي المؤلم وأخذوا منه العِبَر الكافية.
ثم هناك مسألة ثالثة لا يجوز أن تغرب عن بال العقلاء في لبنان، ساسة ومواطنين، هي أن «الجمر لا يحرق إلا في موضعه». وأي رهان على الخارج رهان عبثي لا طائل منه، لأن لا أحد في نهاية المطاف لديه مصلحة ببقاء لبنان وسلامته أكثر من أبنائه. وهذا ما يستوجب منهم السعي إلى توافق حقيقي جدّي لا توافق لفظي فارغ يدخل في نطاق الابتزاز والمناورة، والاستقواء بسلاح غير شرعي في الداخل، ومخطّطات هيمنة إقليمية في الخارج.
وأخيرا، لبنان بلد زاخرٌ بالكفاءات، ويتمتع بتقاليد عريقة في المجالس التمثيلية منذ القرن التاسع عشر. ولقد تعايش عبر السنين مع التنوّع والاختلافات والتحالفات والانتخابات منذ عقود عديدة، وكانت مدارسه وجامعاته ومؤسساته المختلفة بوتقة صهرت ثقافة تكاملية تتفهّم الرأي والرأي الآخر، وتتّسع للجميع.
بناءً على كل ذلك، على المجتمع المدني اللبناني التحرك وأخذ زمام المبادرة لتبنّي مبدأ التوافق بدلا من التحدّي والإلغاء. وإن كان نواب الشعب ما زالوا أسرى ولاءات ضيقة لزعامات أنانية أو تعمل في خدمة مشاريع الآخرين، فإن الشعب اللبناني في نهاية المطاف حرّ، ومن حقه توجيه رسالة واضحة وصريحة إلى كل من يُسخِّرون أحلامه ومستقبله لمصالحهم الشخصية، مؤداها أن مصير لبنان فوق الجميع، وأكبر من أي رئيس، وأثمن من أي تبعية لمشروع خارجي.