Site icon IMLebanon

لبنان يدخل في نظام «المقاطعجيِّة»… ولا حوار

مع دخول لبنان اليومَ الرابع من الشغور في سدّة رئاسة الجمهورية، بقيَ الترقّب سيّد الموقف، بعدما وُضِع الانتخاب الرئاسي على الرفّ، خصوصاً أنّ المعطيات تشير إلى أنّ هذا الشغور سيطول، وأنّ المجلس النيابي والحكومة قد يدخلان في تعطيل، في حال استمرّت مقاطعة بعض القوى السياسية الجلسات التشريعية، مثلما حصل أمس من تعطيل لجلسة سلسلة الرتب والرواتب، ما دفعَ برّي إلى القول لزوّاره مساء أمس: «أصبحنا في نظام مقاطعجيّة». مُحذّراً من أنّ تعطيل السلطة الرقابية التي يمارسها مجلس النواب على الحكومة سيحوّلها «حكومة تصريف أعمال».

في ظلّ التحدّيات الخارجية، وعلى وقع تبادل الاتهامات الداخلية بتعطيل جلسات انتخاب الرئيس، بدأت تداعيات شغور سدّة رئاسة الجمهورية تظهر مفاعيلها على الأرض، في ضوء قرار النواب المسيحيين في 14 آذار وتكتّل «التغيير والإصلاح» ومعهم نواب كتلة «المستقبل» مقاطعة الجلسة التشريعية التي كانت مقرّرة أمس لِبَتِّ مشروعِ قانون سلسلة الرتب والرواتب، وغيرها من الجلسات المماثلة إلى حين انتخاب رئيس جديد، مؤكّدين التعاطي مع مجلس النواب كهيئة انتخابية لا اشتراعية، وأنّ المهمة الأساسية الأولى والوحيدة له في الظروف الراهنة هي انتخاب رئيس جديد للبنان.

في الموازاة، أعلنَ «حزب الله» أنّه سيحضر جلسات انتخاب الرئيس «عندما تتوافر الظروف الجدّية للترشيح»، رافضاً أن يعطّل شغور موقع رئاسة الجمهورية الحياة السياسية في البلاد. وأكّد أنّ مَن يتّهمه بالتعطيل هو نفسه مَن عطّل عمل المجلس النيابي «مرّاتٍ ومرّات ولأسباب تافهة».

وإلى ذلك، تتّجه الأنظار إلى السراي الحكومي الجمعة المقبل، حيث ينعقد مجلس الوزراء برئاسة رئيس الحكومة تمّام سلام، في أوّل جلسة بعد الشغور الرئاسي. وعلى رغم أنّ جدول الأعمال يتضمّن نحو 30 بنداً عاديّاً، فإنّ السؤال المطروح هو: هل ستنسحب مقاطعة وزراء «التغيير والإصلاح» الجلسات التشريعية على جلسات مجلس الوزراء، أم أنّ مشاركتهم فيها ستكون مرهونة بإدراج بنود «عادية» فقط في جداول أعمالها ؟

تحذيرات برّي

ووسط هذا المشهد، حدّد بري موعداً جديداً لجلسة السلسلة في 10 حزيران المقبل، وقال أمام زوّاره مساء أمس: «سأكرّر الدعوة إلى الجلسة حتى لا تُسجَّل سابقة، فالذين قاطعوا يكرّرون ما حصل للمجلس في ظلّ استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، حيث قاطع نوّاب «المستقبل» جلسات التشريع وتضامَن معهم نواب 14 آذار، والآن النواب المسيحيّون يقاطعون الجلسات التشريعية ويتضامن معهم نوّاب «المستقبل»، ذلك أنّ النواب المسيحيين يعتبرون أنّ من حقّهم مقاطعة جلسات مجلس النواب لأنّ سواهم قاطعَها في السابق».

وأضاف برّي: «مِن جهتي، سأظلّ أدعو إلى جلسات تشريعية، وليس هناك جلسة لهيئة مكتب المجلس لأنّ جلسة 10 حزيران هي استمرار لجلسة السلسلة، ولستُ مقتنعاً بما يشيعه كلّ فريق على طريقته، بأنّه يحضر لهذا السبب أو ذاك، فريق قال إنّه يحضر إذا اتُفِق على السلسلة خارج المجلس، وفريق قال إنّه يحضر للضرورة، علماً أنّ وجهة نظر هذا الفريق لا يوافقه عليها الفريق الآخر بالضرورة، في حين أنّ التشريع يجب أن يكون قائماً ومستمرّاً في كلّ حال».

ورأى برّي «أنّ المشكلة ليست في المطالبة بتعديل القوانين، بل في تطبيقها، وقال: «الآن أصبحَت المشكلة في خرق الدستور وليس القوانين فقط، فمن هنا مُقاطِع ومن هناك مُقاطِع آخر، وأصبحنا في نظام المقاطعجية». وأكّد «أنّ مقاطعة المجلس ستؤدّي إلى نتائج خطيرة لأنّها تعطّل سلطة الرقابة التي يمارسها المجلس، ما يجعل الحكومة حكومة تصريف أعمال».

وعن جلسة 9 حزيران المقبل المخصّصة لانتخاب رئيس جديد، قال برّي: «حدّدتُ الجلسة في هذا الموعد لأن لا تطوّرات ملموسة بعد على صعيد الاستحقاق الرئاسي. وربّما من الآن وحتى ذلك الموعد يكون قد حصل اتّفاق ما». وأضاف: «لا يمكن أحداً من الطرفين أن ينجز الاستحقاق الرئاسي أو أيّ استحقاق آخر، بل ينجزه اتّفاق الجميع، وإنّني أعطي الانتخابات الرئاسية الأولوية، ولذلك حدّدتُ جلسة الانتخاب الرئاسي قبل الجلسة التشريعية».

وسُئل برّي: هل يعني ذلك أنّ «لبنَنة» الاستحقاق الرئاسي قد انتهت؟

فأجاب: «لم تنتهِ، لكنّ الشغور في سدّة رئاسة الجمهورية يعرّضها للخطر وللتدخّلات الخارجية التي بدأت أخيراً في بعض المواقف الدولية».

وسُئل برّي عمّا تردَّد من أنّه ينوي الدعوة إلى حوار وطني، فقال: «لا علمَ لي بالأمر ولا علاقة لي به، ولن أدعو إلى حوار، فليحضروا كي لا يعطّلوا عمل المؤسّسات، لأنّ هذه المؤسسات هي أفضل مكان للحوار الذي لا يكون بين طرفين لتحقيق مصلحتهما الخاصة، وإنما يكون من خلال المؤسّسات وخدمةً للمصلحة الوطنية العامّة».

أوغاسابيان

وفي المواقف، رأى عضو كتلة «المستقبل» النائب جان أوغاسابيان أن «لا سقفَ زمنياً للشغور الرئاسي»، وأكّد «أنّ الأمر يتطلّب الوضوح في موقف فريق 8 آذار ومرشّحه وبرنامجه السياسي». وقال لـ»الجمهورية»: «لدينا طرحُنا ومرشّحنا وبرنامجه السياسي، ويقولون إنّه مرشّح استفزازيّ، فما هو طرحُهم البديل وبرنامجه السياسي لكي نسحَب ترشيح مرشّحنا مثلما يطلبون؟ فعلى أيّ أساس سنسحبه؟ لسنا هنا في مجال حرقِ المرشّحين أو «التراجع في الفضاء». ثمّ إنّ هناك مرشّحين آخرين جالوا وعقدوا لقاءات، فهل يوافق فريق 8 آذار مثلاً على ترشيح الرئيس أمين الجميّل؟ فليعلنوا ذلك، وعندئذ يصبح الجميّل مرشّح 14 آذار».

وعن إمكان دعوة برّي إلى حوار وطنيّ، أجاب أوغاسابيان: «إنّ الاتجاه عندنا هو إلى عدم القبول، والقرار يصدر طبعاً عن 14 آذار، فإنْ كنّا لا نُشرِّع اليوم في ظلّ الشغور، فكيف سنقيم حوارات خارج إطار رئاسة الجمهورية، خصوصاً أنّ إحدى الشروط الأساسية كانت أن يحصل الحوار برئاسة رئيس الجمهورية، وبالتالي لا أعتقدُ أنّ دعوة برّي إلى الحوار سيكون لها حظوظ».

النصاب مجدّداً

ولم يكتمل نصاب الجلسة التشريعية التي كانت مقرّرة أمس لإقرار سلسلة الرتب والرواتب، فأرجأها رئيس المجلس إلى 10 حزيران المقبل، وهو اليوم التالي للموعد السادس لجلسة انتخاب رئيس للجمهورية. ولم يفضِ الاجتماع الذي عُقد ليل أمس الأوّل بين أعضاء اللجنة الفرعية ووزيري التربية والمال، إلى اتفاق حول مشروع «السلسلة». وفيما يقول النائب ابراهيم كنعان إنّ الموضوع متوقّف اليوم حول مسألتين أساسيتين، إعطاء ستّ درجات للمعلّمين وزيادات للعسكر، يَعتبر النائب جورج عدوان أنّ البحث جارٍ في مبدأ التوازن في السلسلة وليس تفاصيل الرواتب.

أمّا وزير المال علي حسن خليل، فيؤكّد أن «لا عودة إلى اللجان المشتركة ولا إلى اللجنة الفرعية، لأنّ المشروع أصبح في الهيئة العامة وقطعَ شوطاً كبيراً في إقرار كثير من المواد، وليس هناك أيّ عودة إلى الوراء».

في غضون ذلك، نفّذت هيئة التنسيق النقابية اعتصاماً أمس أمام وزارة التربية، فيما شلّ الإضراب المؤسّسات والإدارات العامّة.

ولوّحت الهيئة بمزيد من التصعيد، مُحذّرةً، في حال عدم إقرار سلسلة الرتب والرواتب في الجلسة التشريعية التي كانت مقرّرة أمس، من شَلّ القطاع العام، بإداراته ووزاراته كافّة، لا سيّما مقاطعة التصحيح والامتحانات الرسمية.

وأكّدت مصادر الهيئة لـ»الجمهورية» أنّها أوصَت الجمعيات العمومية بمقاطعة الامتحانات الرسمية وشلّ الإدارات العامة في حال عدم إقرار السلسلة. وأمهَلت المسؤولين حتى 7 حزيران، إلى حين اتّضاح الصورة حول إمكانية اتّفاق الكُتل النيابية على حضور جلسة انتخاب رئيس للجمهورية في 9 حزيران، بما يعني حضور الجلسة التشريعية المقرّرة في 10 حزيران لإقرار السلسلة.

من جهته، أوضحَ وزير التربية الياس بو صعب أنّ الامتحانات الرسمية لا زالت حتى الآن في المواعيد المحدّدة سابقاً، وأنّ امتحانات المتوسّطة تبدأ في 7 حزيران وتنتهي في 11 منه، وامتحانات الثانوي للعلوم العامة وعلوم الحياة تبدأ في 13 حزيران وتنتهي في 18 منه، وامتحانات الاقتصاد والاجتماع والآداب والإنسانيات تبدأ في 20 حزيران وتنتهي في 25 منه. وناشدَ بوصعب الكُتل النيابية والمعنيّين «إعطاء السلسلة الضرورة القصوى وإقرارَها، لأنّ في حال عدم إقرارها فإنّ البلد سيدخل في أزمة، خصوصاً أنّ شهر رمضان يبدأ في 27 حزيران، ولذلك لا يمكننا المراهنة على الوقت».