Site icon IMLebanon

لبنان يستفيد من التناقض التركي – السعودي

في لقائه التلفزيوني الاخير، أطلق الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله جملة مواقف، بعضها محلّي والآخر إقليمي وعربي، ولم يخلُ اللقاء من توصيفات سياسية و«معطيات» تساعد في فهم بعض الوقائع والمناخات السياسية القائمة.

 

عند سؤاله عن الميدان السوري وموازين القوى فيه، أجاب السيد بأنّ السعودية «أضعف» لاعب على هذه الجبهة، ورأى أنّ «داعش» مدعومة ومغطاة من تركيا بشكل رئيس، وأنّ الجميع يعرف بمن فيهم واشنطن وغيرها أنّ أنقرة ترعى «داعش» في الشمال السوري والشمال العراقي.

 

والحال هذه، لا يحتاج كلام نصرالله كثيراً من الشواهد. منذ غزوة «داعش» على الموصل ومدن الشمال العراقي، وبداية تشكّل «التحالف الدَولي» ظهرت صلات تركية بدولة ابي بكر البغدادي، وقد تحدث عن هذا صراحة نائب الرئيس الاميركي جو بايدن، ما استدعى يومها رداً من وزير الخارجية احمد داوود اوغلو، وتوضيحاً من الجانب الاميركي مجدّداً.

 

كان النقاش الاميركي-التركي حول الصلة بداعش، يستبطن اختلافاً على إقامة «منطقة عازلة» في الشمال السوري، وعلى كيفية وقف التمدّد الداعشي وصولاً الى تهديد مصالح الولايات المتحدة وحلفائها الاكراد.

 

انقرة ترغب بالتدخل عسكرياً عبر الحدود السورية، وتضع هذا الشرط مقابل الانخراط في «التحالف الدولي» لمواجهة الارهاب، وواشنطن تخشى هذا الخيار وترفضه وتدرك مخاطره على الامن الاقليمي، وعليه انطلقت الحملة الدولية على «داعش» وظلت دون مستوى مواجهة هذا التنظيم نظراً لعدم إقفال حدود تركيا ومنع تدفق السلاح والمقاتلين، وعدم رغبة اميركا بالقضاء على «داعش» بل تقليم اظافره وانتظار ما ستؤول اليه الازمة السورية.

 

في موازاة الاجتياح الداعشي لشمال سوريا ومن ثمّ العودة الى اجتياح الشمال العراقي في حزيران من العام الماضي، ظهرت سياسة سعودية جديدة بما يخص التعامل مع التنظيمات المتطرِّفة. اصدر الملك السعودي قراراتٍ تجرِّم قتال السعوديين في الخارج، وتضع غالبية المنظمات على لائحة «الارهاب» في المملكة.

 

بدت هذه القرارات في السياسة السعودية تحوّلاً مستجِداً ولافتاً، وأظهرت أنّ الرياض في صدد إعادة درس علاقتها بالميدان السوري وعلاقته بمختلف الملفات الاقليمية ذات الصلة.

 

وجاء من همس في أذن صاحب القرار السعودي للشروع في الحدّ من الخسائر. المناطق التي تجتاحها «الدولة الاسلامية» هي مناطق نفوذ مفترَضة للمملكة، وحيث يصبح الميدان في عهدة «داعش» واخواتها تخسر السعودية نفوذها لينتقل الثقل الى تركيا ومن خلفها قطر.

 

لا شك أنّ بين الرياض وأنقرة صراعاً صامتاً حول «الزعامة الاسلامية السنّية». تركيا الاردوغانية تطمح لاستعادة أمجاد سلاطين بني عثمان، وهي قوّة إقليمية شابة وصاعدة وقوية، والمملكة تعتبر أنها أوْلى بالزعامة تقليدياً، فكيف وقد اصبحت مصر معها والى جانبها في الحسابات الاقليمية؟

 

سارعت الرياض بدفع اميركي لعقد تفاهمات سريعة مع إيران حول إعادة تركيب السلطة في العراق لتحدّ من خسائرها أمام تركيا، ورأينا سياسات جديدة للفريق المحسوب عليها في لبنان.

 

تعتبر السعودية لبنان جزءاً طبيعياً من مناطق نفوذها، وبالتالي فإنّ تكرار التجربة السورية والعراقية في الشمال او البقاع اللبناني سيصبّ في دائرة الخسائر السعودية. المناطق والبيئة التي كان يعمل فيها «الارهاب» هي مناطق النفوذ السعودي، وسقوطه في يد داعش او «النصرة» سيشكل خسارة سعودية مباشرة، وعليه انتهى العام الماضي على تحوّلات سعودية كبيرة في لبنان،

 

بدءاً بدعم الجيش في طرابلس والشمال ورفع الغطاء عن الارهابيين، وصولاً الى الحوار مع حزب الله، وبهذا يكون لبنان استفاد من التناقض السعودي-التركي، ومن الرغبة الدولية والتقاطع الاقليمي على حمايته، ومن المتوقع أن تظلّ هذه الصورة قائمة الى حين حدوث استحقاق أو خرق ما في الملفات الداخلية العالقة، على قاعدة الاستثمار في مناطق التلاقي، حتى لو كان ثمن ذلك التفاهم «موضعياً» مع إيران.