Site icon IMLebanon

لبنان يشكر خادم الحرمين.. وعرسال تلملم الجراح

بطاركة الشرق يُطلقون والحريري يتبنّى «صرخة» مسيحية إنسانية في وجه المجتمعين العربي والدولي

لبنان يشكر خادم الحرمين.. وعرسال تلملم الجراح

 

بينما تمكنت عرسال من فك قيد الإرهاب الدخيل عليها بعد تكسّره على أرضيتها الوطنية الصلبة في انحيازها إلى الدولة ومؤسساتها الشرعية، إنطلقت أمس عمليات إغاثة أهالي البلدة ولملمة جراحهم وإسعاف جرحاهم إلى مستشفيات المنطقة بالتوازي مع استمرار اتصالات المعنيين لضمان تحرير العسكريين والأمنيين المحتجزين لدى المجموعات الإرهابية المسلحة التي «انكفأ كل عناصرها خلال الساعات الأخيرة من عرسال، بعضهم إلى سوريا وجزء آخر انسحب إلى الجبال الجردية المحيطة كمرحلة انتقالية على طريق عودتهم إلى الداخل السوري» وفق ما أوضحت مصادر حكومية لـ«المستقبل». في وقت تواصلت أمس ردود الفعل الوطنية المرحّبة والمشيدة بالدعم السعودي الجديد للبنان، وسط تنويه حكومي وسياسي وعسكري واقتصادي ونقابي بأهمية الهبة التي قدّمها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز لتعزيز قدرات القوات المسلحة الرسمية بشكل فوري بقيمة مليار دولار لتمكينها من التصدي للإرهاب ودحره عن الأراضي اللبنانية، مع تقاطع مجمل المنوّهين بهذه الهبة عند الإشادة بالدور الذي يلعبه الرئيس سعد الحريري في سبيل تمتين أواصر الدولة ومؤسساتها وإعلاء روح الاعتدال والوطنية في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ لبنان والمنطقة.

إشادات

على المستوى الرسمي، أعرب مجلس الوزراء من خلال رئيسه تمام سلام عن شكره وتثمينه لـ«المبادرة الكريمة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين لتسليح الجيش وجميع القوى الأمنية»، مشدداً على كونها تختزن «تعبيراً جديداً عن الموقع الخاص الذي يحتله لبنان في وجدان الملك عبد الله وحرصه الدائم على الوقوف إلى جانبه في الملمات، وتقديم كل ما يؤدي إلى تدعيم ركائز الدولة اللبنانية وتقوية مؤسساتها الشرعية»، كما أشاد سلام بالدور الذي اضطلع به الرئيس الحريري في هذا الملف، مثنياً على موقفه بوصفه يجسد «موقفاً متقدماً يستحق التقدير لما يعكسه من روح وطنية عالية في هذا الظرف الدقيق».

على المستوى السياسي، وإذ طلب رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون من سفير المملكة العربية السعودية علي عواض عسيري خلال زيارته مودّعاً الرابية «نقل تحياته وشكره وتقديره لخادم الحرمين الشريفين على المواقف الأخوية التي يتخذها تجاه لبنان ودعمه الدائم له لا سيما المكرمة السخية التي أمر بها للجيش والتي سيكون لها الأثر الإيجابي المباشر في تحصين الأمن والاستقرار وتعزيز الوحدة الوطنية»، توجّه رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب وليد جنبلاط بالشكر لخادم الحرمين وقيادة المملكة العربية السعودية «على المواكبة المستمرة للبنان ودعم شعبه ومؤسساته ودولته ووقوفها على مسافة واحدة بين اللبنانيين»، منوّهاً في الوقت عينه «بالمواقف السياسية الوطنية الشجاعة التي أطلقها ويطلقها الرئيس سعد الحريري وتصديه المباشر والفوري لأي محاولة للتشويش على الجيش في مواجهته للإرهاب». كما أشاد رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» الرئيس أمين الجميل بالمساعدة السعودية الجديدة وقال بعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة: «نشكر خادم الحرمين على هذه المبادرة خصوصاً أنه كان دائماً إلى جانب لبنان من دون أي مقابل»، مشدداً على أنّ «هذه المبادرة من شأنها أن تعزز قدرات الجيش في المعركة القاسية ضد التكفيريين والعصابات المتطرفة». في حين أبرق رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع إلى الملك عبدالله بن عبد العزيز مثمّناً «الموقف المشرف لجهة سيادة لبنان واستقلاله وحريه شعبه» ومتوجهاً بالتحية «لما يمثله من اعتدال ومن صورة للإسلام الحق في وجه من يحاولون اختطافه وتقديمه للعالم بأنه دين تطرف وكراهية وإرهاب».

أما عسكرياً، فقد أعرب قائد الجيش العماد جان قهوجي خلال بحثه مع السفير عسيري في اليرزة في المساعدات السعودية للمؤسسة العسكرية «عن شكره العميق لخادم الحرمين الشريفين تجاه دعمه المتواصل للجيش ومبادرته الاستثنائية على هذا الصعيد».

إلى ذلك، وفي سلسلة تصاريح سياسية واقتصادية أضاءت لـ«المستقبل» (تفاصيل ص 3) على أهمية المبادرة السعودية الجديدة، لفت وزير العدل أشرف ريفي إلى أنها «خطوة تترجم طروحات جلالة الملك عبدالله في مكافحة الإرهاب ووضعه قتال المنظمات في أعلى سلم الأولويات»، كما وضع وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية نبيل دو فريج المبادرة السعودية الجديدة في إطار «تقوية جذور الاعتدال في لبنان والمنطقة».

كذلك، وإذ أشاد عضو كتلة «القوات اللبنانية» النائب جورج عدوان بأهمية هذه الخطوة التي أرادت المملكة العربية السعودية من خلالها توجيه «رسالتين الأولى أنها تشكل رأس الحربة في دعم الاعتدال بمواجهة الإرهاب بينما الرسالة الثانية تؤكد دعمها الدولة اللبنانية وقيام مؤسساتها»، شدد عضو كتلة «المستقبل» النائب سمير الجسر على كون الهبة السعودية الجديدة تشكل «امتداداً لسياسات المملكة وثوابتها تجاه لبنان»، ونوّه النائب هادي حبيش بوقوف السعودية «الحازم والصريح ضد التطرف في المنطقة»، وسط تشديد النائب باسم الشاب على أنها تشكل «رأس الحربة في دعم الاعتدال» وتأكيد النائب عاطف مجدلاني أهمية دورها في «المحافظة على التعددية في العالم العربي والعيش المشترك» وإشارة النائب أمين وهبي إلى كون المملكة «تتميّز في أنها لا تدعم فئة دون أخرى بخلاف بعض الدول التي تعمد إلى دعم فريق لبناني على حساب آخر واستعماله ورقة ضغط في مفاوضتها الإقليمية والدولية». وذلك بالتوازي مع تنويه عضوي «اللقاء الديمقراطي» النائبين نعمة طعمة وفؤاد السعد بمفصلية «الدعم التاريخي للبنان في هذه المرحلة ضد التحولات الهائلة في المنطقة».

إقتصادياً، وبينما تقاطع كل من وزير الاقتصاد والتجارة آلان حكيم ورئيس الهيئات الاقتصادية الوزير السابق عدنان القصار ورئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة محمد شقير عند الإشادة بالدعم المطلق والاستثنائي الذي توفره المملكة العربية السعودية للبنان ومؤسساته الشرعية في جميع الأزمات التي مرّ ويمر بها، شدد رئيس اتحاد تجار لبنان نسيب الجميل على أنّ «الاعتدال السنّي الذي تقوده السعودية هو خلاص المنطقة»، في حين أوضح لـ«المستقبل» رئيس غرفة التجارة الدولية في بيروت وجيه البزري أنّ المساعدة السعودية الجديدة تأتي في سياق «مظلة الأمان» التي تشكلها المملكة للبنان، كما أشار رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن إلى أنّ المساعدة السعودية «تعبّر عن شراكة حقيقية لمواجهة الإرهاب»، وتطرق رئيس الجمعية اللبنانية للامتياز شارل عربيد إلى أهمية توقيت هذه المساعدة «في ظل الأوضاع الدقيقة التي يمر فيها لبنان»، وفي خضم «الظروف المالية المقلقة للدولة» وفق تعبير الخبير الاقتصادي غازي وزني.

مجلس الوزراء

وكان رئيس الحكومة وقائد الجيش قد أعلنا في معرض إشادتهما بالدعم السعودي للقوات المسلحة اللبنانية في جلسة مجلس الوزراء التي عقدت أمس في السرايا الحكومية أنهما تواصلا مع الرئيس سعد الحريري «لتنسيق آلية صرف المبلغ المطلوب» لتسليح الجيش وفق ما نقلت مصادر وزارية لـ«المستقبل» عن العماد قهوجي الذي أشارت إلى أنه أحاط الحكومة علماً كذلك بأنّ «الولايات المتحدة الأميركية تعتزم تزويد الجيش كمية من الذخائر التي كانت معدة للتصدير إلى العراق وذلك في سبيل تسريع عمليات مساعدة الجيش اللبناني وتعزيز قدراته».

المجلس إستعرض أوضاع عرسال ومستجدات الأحداث فيها من خلال دعوته قهوجي والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء ابراهيم بصبوص ومدير المخابرات العميد إدمون فاضل ومدير شعبة المعلومات العميد عماد عثمان، بحيث أكد قائد الجيش أنّ المسلحين بدأوا الانسحاب من عرسال وقوافل الصليب الأحمر والإغاثة الانسانية باشرت الدخول إليها، ثم إنتقل المجلس إلى جدول أعماله ووافق على رفع عدد المتطوعين إلى 4000 في الأمن الداخلي و500 في أمن الدولة و500 مفتش ثان و500 مأمور في الأمن العام، وعلى تطويع 5000 جندي في الجيش و369 تلميذ ضابط في مختلف الأسلاك و200 تلميذ رتيب في المؤسسة العسكرية. كما فوّض المجلس وزير التربية والتعليم العالي الياس بوصعب متابعة مسألة تصحيح الامتحانات الرسمية واتخاذ التدابير اللازمة من أجل تأمين دخول الطلاب إلى الجامعات بما فيها إعطاء إفادات.

وقائع الجلسة

على صعيد مجريات الجلسة، أشارت المصادر الوزارية إلى أنّ «العماد قهوجي أعرب عن ارتياحه للأوضاع الميدانية، مؤكداً احتواء المستجدات الأخيرة وإعادة السيطرة على الوضع، وأوضح في ما يتعلق بمسألة انسحاب المسلحين من عرسال أنّ ذلك لا يمنع أنّ بعضهم قد يكون لا يزال في المحيط وداخل المخيمات السورية التي تحولت في بعض الأحيان إلى منطلق للمسلحين».

وإذ آثر عدم الخوض في أعداد الأسرى والمفقودين العسكريين «لأنه أمر يتصل بمعنويات العسكريين»، نقلت المصادر الوزارية عن قهوجي أنه «أطلع المجلس على نتائج التحقيقات مع الموقوف عماد أحمد جمعة الذي اعترف أنه كان يعمل على وضع اللمسات الأخيرة لتنفيذ مؤامرة ضد الجيش وعرسال». ولدى سؤاله من قبل بعض الوزراء عن مدى إمكانية تمدد الأحداث التي شهدناها في عرسال إلى مناطق أخرى، نفى قهوجي هذه الفرضية وأكد أنّ «الوضع ممسوك بعدما تلقت المجموعات الإرهابية ضربة موجعة» مع إشارته إلى أنّ «ذلك لا يعني ألا تعود هذه المجموعات مجدداً إلى محاولات ضرب الاستقرار في البلد».

كما برزت خلال مجريات النقاش في الجلسة إثارة موضوع اعتراض القوافل الإغاثية على طريق اللبوة ومنع وصولها إلى أهالي عرسال، ونقلت المصادر الحكومية في هذا المجال عن الوزير ريفي قوله: «إذا كان أحد يظن أنه بهذه الطريقة يدعم الجيش فهو حتماً مخطئ، لأنّ ما حصل (أمس الأول) كاد أن يفجّر البلد»، مشدداً في المقابل على أنّ «وحدة اللبنانيين هي التي تنقذهم». وفي ضوء ذلك لفتت المصادر إلى أنّ «وزير الصناعة حسين الحاج حسن طلب الكلام فأكد باسم «حزب الله» أن لا علاقة للحزب بما حصل في اللبوة من قطع الطرق على الإمدادات الإغاثية لعرسال، مؤكداً في المقابل بذل جهود جدية لمعالجة الموضوع»، فرد ريفي بالتشديد على «أهمية التنوّع الطائفي في البقاع» والإشارة إلى أنّ «خطورة داعش تكمن في أنها تعمل على ضرب التنوع في الدول العربية»، داعياً الجميع إلى التنبه لضرورة عدم الانزلاق والمساهمة في هذا المخطط.

بطاركة الشرق

في الغضون، أطلق بطاركة الكنائس الشرقية إثر اجتماعهم في الديمان أمس بدعوة من البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي صرخة مسيحية إنسانية في وجه المجتمعين العربي والدولي لإنقاذ مسيحيي المشرق ومنع تهجيرهم. وإذ شددوا في بيانهم على وجوب «أن تسود روح المسؤولية في كل الأوساط العربية والدولية من أجل حصر التطرف المسيء إلى مسيرة المسيحية والإسلام المشتركة في المنطقة والعالم»، طالبوا «كل المرجعيات الدينية باتخاذ موقف مشترك واضح وقوي تجاه هذا الاضطهاد والتهديد» الذي يتعرض له المسيحيون في المنطقة، كما ناشدوا «جامعة الدول العربية ومؤتمر التعاون الإسلامي والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والمحكمة الجنائية الدولية القيام بعمل إنقاذي فوري فاعل وقوي» في هذا الصدد.

الحريري

على الأثر، أصدر الرئيس الحريري بياناً أعرب فيه عن تأييده الكامل لبيان بطاركة الشرق «في كل مضامينه السياسية والأخلاقية والإنسانية»، مشدداً على أنّ هذه «الصرخة يجب أن تطرق أسماع كل القيادات والأنظمة العربية والإسلامية وأن تحرّك المجتمع الدولي الذي يتغافل عن الحرائق المشتعلة في الشرق». كما دعا الحريري «علماء العدل والاعتدال» إلى تبني مطلب البطاركة «إصدار فتاوى واضحة تواجه الزحف المتنامي للإرهاب والتطرف في العالم العربي»، مطالباً في الوقت عينه الجامعة العربية إلى «تحمل مسؤولياتها وإيجاد الآليات السريعة للتعاون مع المجتمع الدولي وحثه على التحرك بكل الوسائل لإنهاء الجريمة المستمرة في العراق والتي ترمي إلى اقتلاع الوجود العربي المسيحي من الشرق»، مع مناداته بتشكيل «إدارة أو هيئة أو منظومة عربية مشتركة لمكافحة مخاطر الإرهاب واجتثاثها من جذورها».