Site icon IMLebanon

لبنان ينتظر السعودية وإيران

 

لم تتفاجأ الأوساط السياسية والديبلوماسية على اختلافها بالدعوة التي وجَّهها وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل الى نظيره الإيراني محمد جواد ظريف لزيارة الرياض.

ذلك انّ الكواليس كانت تضجّ بالمعلومات حول الاتصالات التي بدأت فعلياً بين البلدين وسط تراجع تدريجي لمنسوب التوتر الذي بلغ ذروته العسكرية الصيف الماضي، والسياسية مع الغاء زيارة الرئيس الايراني حسن روحاني للسعودية وتوجيه رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الشيخ هاشمي رفسنجاني ما يشبه التحذير، وهو المعروف عنه أنه المسؤول الايراني الوحيد الذي يحظى بصداقاتٍ في السعودية.

يومها بدا واضحاً أنّ اللعب على التناقضات الايرانية الداخلية لم يعد مجدياً، وأنّ الامور دخلت مرحلة خطرة.

كلّ ذلك حصل فيما المواجهات بين البلدين في عزها والحروب بالواسطة مشتعلة سواء عسكرياً كما في سوريا واليمن أو استخباراتياً وأمنياً كما في العراق ولبنان لتطاول أوّل سفارة ايرانية في الشرق الاوسط.

وبتكليفٍ اميركي شرع وزير خارجية سلطنة عمان يوسف بن علوي في وساطة أثمرت لاحقاً، وساهمت كل من الامارات والكويت في أدوار جزئية ورافق ذلك اشارات عملية مساعدة مثل تسهيل ولادة الحكومة اللبنانية برئاسة تمام سلام، وزيادة السعودية اعداد الحجاج الايرانيين للمرة الاولى منذ اكثر من عشر سنوات، ثم اعفاء الامير بندر بن سلطان الذي كان مبعث شكوى ايرانية دائمة حول مسؤوليته عن تفجيرات عدة طاولت المصالح الايرانية.

وفيما كان السفير السعودي يتقدّم بأوراق اعتماده لدى السلطات الايرانية ويباشر حواراً مع المسؤولين الكبار في وزارة الخارجية، كانت سلطنة عمان تستضيف على أراضيها لقاءً سرياً بين مسؤولين أمنيّين ايرانيّين وسعوديّين نهاية شهر آذار الماضي.

ونجح مسعى يوسف بن علوي في التفاهم على وجوب حصول لقاء رسمي علني بين وزيرَي خارجية البلدين حدِّد في شهر أيار الجاري. ومع الاعلان عن هذا الاجتماع رسمياً فإنّ مرحلة المفاوضات العلنية تكون قد بدأت بعد انتهاء المرحلة السرّية والتي انتجت مسودّة تتضمّن عناوين عريضة.

ويعتقد ديبلوماسيون غربيون أنّ على رغم الشكوك السائدة، إلّا أنّ المفاوضات الايرانية – السعودية محكوم عليها بالنجاح في ظل التسوية الكبرى بين واشنطن وطهران والتي ستبصر النور خلال الصيف المقبل. وعلى رغم اعتراف هذه المصادر بالمشاكل الهائلة التي تعترض العلاقات بين البلدين إلّا أنها تعتقد بوجود ارضية مشترَكة قابلة لأن تشكل قاعدة انطلاق وتتعلق بالتعاون لمحاربة الارهاب والمجموعات المتطرّفة.

وليس مصادفة نجاح الدولة اللبنانية في فرض الامن في طرابلس وعرسال والمناطق اللبنانية الاخرى. وليس مصادفة ايضاً اشتعال المعارك بين الفصائل المتطرّفة في سوريا والاهم «اصطياد» نحو عشرين قائداً ميدانياً ما يعني ضرب الهرميّة العسكرية الداخلية لهذه التنظيمات.

وفيما كان مستشار آية الله السيد علي خامنئي يتحدث عن النفوذ الايراني الذي وصل الى شواطىء لبنان بعد تأمين طريق حمص، كانت واشنطن تثير مع العواصم الخليجية اهمية تعزيز النفوذ الداخلي لروحاني في وجه المحافظين. فلوّحت الامارات بنيّتها إجراء استثمارات في ايران تقارب الـ 250 مليار دولار بعد نجاح مشروع اعادة التطبيع السياسي مع دول الخليج.

اما لبنان والذي شكّل احدى ساحات المواجهة، ثم الاختبار، فلا بدّ له من أن يحضر على طاولة التفاوض، لكنه لن يكون مستقلاً كما يأمل اللبنانيون، بل مرتبطاً ومتداخلاً مع ملفات العراق وسوريا واليمن، ما يعني وجوب انتظار اشهر عدة ريثما يتصاعد «الدخان الابيض» حول الاستحقاق الرئاسي مصحوباً بتسوية داخلية تشكل ضماناً سياسياً لجميع الاطراف.

لذلك، ربما عاد وزير الخارجية جبران باسيل من لقائه مع نظيره السعودي بلا جواب حاسم حول ترشح رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون. وعدم حصول لقاء بينه وبين الرئيس سعد الحريري مؤشر واضح في هذا الاتجاه ما يترك الساحة اللبنانية تحت ضغط التجاذبات السياسية.