عاد الرئيس سعد الحريري إلى جدة، مع تأكيدات بأنه سيكون في بيروت في التوقيت الذي يراه مناسبا. مرت الزيارة الأولى سريعة. لقاءاته خلالها كانت خاطفة. معظمها كان مرتبطاً بالهبة السعودية. مخاطر الحدث العرسالي لم تغب، لكن لم يظهر أن المتضرر الأكبر مما جرى في تلك البلدة اللبنانية يملك مشروعاً واضحاً لوقف النزف الذي يتعرض له تياره، أو يملك مشروعاً وطنياً لمواجهة المخاطر التي يتعرض لها البلد، المفتوح على مزيد من التأزيم.
قال الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، في ذكرى انتصار 2006، «تعالوا لندرك جميعاً ماهية هذا الخطر كخطوة أولى في سبيل التوحد لإسقاط هذا المشروع عبر وحدتنا في مواجهته، كون خطره يشمل وجودنا جميعا». لم يعلق الحريري، لكن عدداً من مسؤولي المستقبل ونوابه تقدم المشهد، رافضاً الحوار مع الحزب. هؤلاء ما يزالون على مواقفهم. بعد أسبوع على «مبادرة نصرالله»، لا يتردد أحد النواب الصقور في البدء بالموقف الأكثر تطرفاً: لا فارق بين داعش و«حزب الله». ثم يضيف: كيف نتحاور مع الحزب وهو يقاتل الشعب السوري ويرفض حماية الحدود كما يرفض تنظيم مسألة النازحين السوريين، ولاسيما من خلال بناء مخيمات لهم على الحدود؟.
قبل ذلك يقول النائب المستقبلي «سبق وجربنا الحوار مع حزب الله وكانت النتيجة أنه لم ينفذ شيئاً مما اتفق عليه». يوضح المصدر أن «المستقبل» مقتنع أنه سيجلس يوماً مع «حزب الله»، لكنه يعتبر أنه قبل ذلك لا بد من وجود أسس يبنى عليها أي لقاء من هذا النوع. أبسط هذه الأسس، إضافة إلى تنفيذ ما اتفق عليه في طاولة الحوار في العام 2006، الاقتناع بضرورة فصل لبنان عما يجري من حوله، أي النأي بالنفس بشكل كامل، مع ما يتطلبه ذلك من خروج الحزب من سوريا وإقفال الحدود.
يوحي الخطاب المستقبلي أن قراءة «التيار» للأحداث ما بعد ظهور «داعش» لم تتغير عما قبل ظهوره. يبدو مطمئناً إلى أن حالة التعاطف التي شهدها «داعش» وأخواته في الشارع المحسوب على «التيار»، لا تشكل إنذاراً له توجب إعادة شد العصب من حوله. يعود المصدر إلى العام 2000، مستعيداً أحداث الضنية. يقول «حينها ظهرت بعض حالات التململ بين مناصري التيار، إلا أنها سرعان ما انتهت مع الانتخابات النيابية التي أظهرت نتائجها أن هذا التململ لم يكن له تبعات سياسية».
بالمحصلة، ثمة من «المستقبليين» من يرى في دعوة نصر الله نوعاً من المكابرة، حيث «يقول تعالوا إلي وافعلوا ما أريده». يعتبر هؤلاء أن «حزب الله» لم يستوعب بعد ماذا يجري في الشارع السني من متغيرات، كما لم تستوعب الدولة أن المناطق المحرومة تشكل أرضاً خصبة للتطرف، ما يوجب المسارعة إلى إنمائها.
هذا الخطاب الموجود في «المستقبل» لا يعبر بشكل كامل عن توجهات الحريري في المرحلة المقبلة. من التقاه وجد لديه استعداداً للتقارب مع «حزب الله»، أو على الأقل التواصل معه. قد لا يؤدي هذا التواصل إلى نتائج ملموسة في القضايا الجوهرية، خاصة أن «المستقبل» يعرف أن مسألة التدخل في سوريا هي من المسائل غير القابلة للبحث بالنسبة لـ«حزب الله»، كما يعرف الطرفان أن زمن التسويات الكبرى بينهما لم يحن بعد. في المقابل، ثمة الكثير من الملفات التي يمكن التفاهم، أو على الأقل التحاور بشأنها من «داعش» إلى التمديد إلى ملف رئاسة الجمهورية، إضافة إلى ملفات داخلية عديدة، نيابياً وحكومياً.
يعرف الحريري أن اللقاء مع نصر الله سيحصل حكماً، وهو مهتم بحصوله. السعودية نفسها لا تمانع اللقاء. سبق وأعلن السفير السعودي علي عواض عسيري أثناء حفل تكريمه في السرايا ذلك بوضوح أمام الحاضرين كما عبر الاعلام. مع ذلك، ثمة عوامل عدة تتحكم بالتوقيت. الحريري يحسبها جيداً. بالنسبة لـ«حزب الله» لا مشكلة في اللقاء أو في تسويقه بين جمهوره، لكن بالنسبة للحريري الوضع حساس أكثر. ماذا سيكون رد فعل جمهوره، وقبله بعض نوابه، عندما يزور الضاحية وتخرج صورته مصافحاً نصر الله إلى العلن؟