Site icon IMLebanon

لماذا لا يتخلّى الموارنة عن رئاسة الجمهوريّة؟

هو حديث السحرة ام حديث المشعوذين؟

الكوميديا السياسية، والدستورية، في حدودها القصوى. لكثرة البلبلة، ولكثرة العبثية التي ضجت بها الجمهورية الرابعة في فرنسا، قال اندريه مالرو «انها رقصة الفالس داخل متحف الشمع». كم تبدو تماثيل الشمع مضحكة حين تكون .. ناطقة!

لماذا تتوطأ الشاشات الى ذلك الحد مع الكوميديا رغم انها لا تقدم عادة سوى المسلسلات التراجيدية كما لو اننا بحاجة الى كمية اضافية من الكآبة؟ التماثيل حين تنطق بالفقه الدستوري وبالفقه الايديولوجي، وبالفقه الاستراتيجي، وهي التي لا تفقه شيئاً من كل اشكال الفقه سوى التراقص بين فقه مكيافيلي وفقه دونكيشوت. واعذرونا لاننا نكثر من الحديث عن الرجلين لاننا كلبنانيين عالقون بين الحالتين وربما الى الابد.

هل الحل في ان يبقى هناك رجل على الكرسي الرئاسي,ودون اي اعتبارالا لتلك البنية الفولكلورية للسلطة، وحيث تحول اتفاق الطائف الى مغارة علي بابا. لا كنوز هناك بل طلاسم.

ثمة مثالثة فوق المناصفة التي طالما وصفوها بالمقدسة. كيف تكون المناصفة مقدسة حين تكون المثالثة منتهكة الى هذا الحد, كاريكاتورية الى هذا الحد، وان كنا ندعو الى الفصل القطعي بين الطائفة (او الطائفية) والدولة اذ كيف لمجتمع ان يزدهر، وان يبدع، حين يكون هناك خراب العقل بل وخراب القلب ايضاً؟

المادة 95 من الدستور التي تقول بتشكيل هيئة لالغاء الطائفية السياسية هي التي تختزل اي محاولة للعبور الى الدولة، دون ان تعنينا تلك الشعارات البلهاء، والخادعة، التي يرفعها البعض بين الحين والآخر، فيما هم يغلقون كل باب في وجه المستقبل. حالنا مثل حال كل العرب الذين كتب احدهم انهم يختالون بين انفلونزا الخنازير وانفلونزا الابل.

والنتيجة كما يقول محمد اركون اننا «موتى…الزمن الميت»، فهل لاحظتم كيف تتم مقاربة الاستحقاق الرئاسي في لبنان، وكيف تهان الطائفة وكيف يهان الموقع؟ اليس البقاء بأي ثمن، فوق ذلك الكرسي، اسوأ بكثير من الفراغ بأي ثمن؟ ولتتوقف تلك المقاربات الهيستيرية للمسألة. لا نتصور ان الطائفة المارونية في ازمة، لا بل ان ازمتها، وان اخذت التعددية منحى قبلياً، اقل تعقيداً بكثير من ازمة الطوائف الاخرى. كل الطوائف في ازمة لانها طوائف، بالدرجة الاولى، ولانها تتصرف هكذا، فيما منطق الدولة مختلف كلياً عن منطق الطائفة، والا ظل لبنان هكذا مجموعة من الشظايا التي تدار باصابع او بقبعات القناصل.

كنا نتمنى لو ان البطريرك مار بشارة بطرس الراعي حمل الصولجان وقال «ان الموارنة قرروا التخلي عن رئاسة الجمهورية».

البلاد بحاجة الى مثل هذه «الصدمة الخلاقة». هو من وصف الطائفة المارونية بـ «الطائفة المؤسسة» للدولة، فاين هي الدولة الآن؟ سؤال يطرحه اربعة ملايين لبناني، وهم يخشون, ويفترض ان يخشوا، ان تصبح احوالهم مثل احوال «اشقائهم» الفلسطينيين والسوريين في المخيمات.

من تراه لا يرى كيف تترنح الدول، وكيف نترنح الخرائط. وليم كريستول كان الاكثر دقة حين تحدث عن تغيرات جيولوجية، ولم يقل تغيرات سوسيولوجية,في مجتمعات الشرق الاوسط. عندنا المشكلة في الدولة لا في رئاسة الدولة.

حين كتب الكسي دو توكفيل عن الديمقراطية في اميركا وقال انها تربي نفسها بنفسها مثل اولاد الازقة، قال ايضاً ان من يقرأ الدستور يشعر وكأن الذي وضعه هو عازف للجاز لا مصارع للثيران كما في بلدان اخرى. عندنا السياسة هي صراع الثيران ونحسب انها… صراع الآلهة!

بعيداً ذهبنا في الهذيان. تقول الفقرة (ي) من مقدمة الدستور «لا شرعية لاي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك». بادئ بدء, هل نعيش فعلاً العيش المشترك؟ ثمة ميثاق واين هو نصه وماذا يقول الااذا كنا نقصد البيان الوزاري لحكومة الاستقلال الاولى. الا يتغير الميثاق حين يتغير الدستور وحين تتغير الجمهورية؟

لا نبغي الغوص في التفاصيل الدستورية والميثاقية، ولكن في حالتنا الحاضرة لا نعيش الميثاق ولا نعيش العيش المشترك. ثمة محاصصة وتحولت عندنا الى فلسفة حكم، وحيث التقوقع المذهبي بلغ مداه، كما لو اننا لا نعلم ان الميثاق الذي كان الوجه الآخر للفديرالية بين المسلمين والمسيحيين هو الآن الوجه الآخر لفديرالية المذاهب، فلماذا لا نقول ذلك علناً، ولماذا يفترض بالنص( او بالعرف) ان يبقى ملتبساً هكذا. ليست جمهورية الضباب بل جمهورية الازمات.

اذاً، رئيس الجمهورية من حصة طائفة. كيف يكون الرئيس تجسيداً للمحاصصة(القائمة اساساً على الزبائنية) ويكون، كما نصت المادة 49 من الدستور، «رمز وحدة الوطن»؟ الجزء لا يعني الكل. واذا كان للنص ان يتسم بالصدقية، وبالفاعليةايضاً، فان رئيس الجمهورية هو حصة كل اللبنانيين، ولا يختاره نواب وصلوا الى ساحة النجمة وفق قانون انتخاب يجري تفصيله عادة على قياس ملوك الطوائف. الآن ملوك المذاهب.

يكون الرئيس رمزاً لوحدة الوطن حين ينتخبه الناس. لكننا الآن في حالة اللاوحدة، بل اننا مختلفون (وانفصاليون) حول كل شيء الا حول المحاصصة في التعيينات، وفي حالة «اللاوطن»، فاين هو الموطن واين هي المواطنة؟.

مهين للبنان واللبنانيين ان يقال ان القادة الموارنة( او الموارنة) هم الذين يختارون رئيس البلاد. يفترض ان يكون اكبر من الطائفة، بل اكبر من كل الطوائف. لكننا متآمرون، كلنا متآمرون، وجعلنا من السياسة… رقصة الفالس في متحف الشمع!.