الظروف القاهرة التي يعيشها لبنان، وعجز نوابه عن انتخاب رئيس للجمهورية، وجعل الموقع الاول في البلاد شاغرا، امر بات يتكرر ما بعد اتفاق الطائف، ويفرض علينا اعادة النظر في التركيبة التي لا تلبي الحاجات الضرورية لأي دولة في القرن الحادي والعشرين.
واذا كان المطلب الماروني يركّز باستمرار على تعديل في الدستور يعيد بعض الصلاحيات الى الرئيس المسيحي، والتوازن ما بين السلطات، فإن المطلب الحقيقي يجب ان ينصبّ على اعادة النظر في التركيبة برمّتها، انطلاقا من الازمات المتلاحقة التي تصيب النظام في صميمه. والميثاق الاجتماعي الجديد الذي طالب به البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، ووافاه الى الاقتراح الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، وجبها برفض غير مبرر، يجب ان يتحول ورشة تفكير عميق.
ولعل منطلقه، وان غير مشجع للبعض، يمكن ان يتجسد في نص ورد في المذكرة الوطنية للبطريرك الماروني (9 شباط 2014) وفيه: لقد اراد اللبنانيون الميثاق الوطني شريعتهم الاساسية باعتباره خلاصة تاريخ مشترك من تجربة العيش المسيحي – الاسلامي وتكريسا للثوابت. والميثاق لم يكن مجرد تسويات، او تفاهمات عابرة، يقبل بها اليوم ويراجع في شأنها غدا، او يتراجع عنها في اوقات تضارب المصالح والخيارات. ولهذا السبب يعتبر الميثاق في قاموسنا السياسي حالا تسبق الدستور وتؤسس له…
وهذا الامر أكده اخيرا في جلسة الحوار الوطني الرئيس نبيه بري، عندما ايد قيام مجلس للشيوخ على اساس طائفي، من دون إلغاء المناصفة في مجلس النواب كما ورد في اتفاق الطائف. والتمسك بالمناصفة ردده مرارا الرئيس سعد الحريري.
من هذا المنطلق، المطمئن للمسيحيين الى وجودهم ومشاركتهم في السلطة، يمكن، بل يجب، البدء في بحث صيغة ميثاق اجتماعي جديد، يضمن استمرار مؤسسات الدولة بالطريقة الفضلى، ضمن مسيرة طويلة يشارك فيها الشعب اللبناني بكل فئاته عبر ممثلين لكل الطوائف والمذاهب والنقابات وكل القطاعات.
أذكر جيدا مسيرة التحضير للسينودس الخاص من اجل لبنان التي اطلقها البابا يوحنا بولس الثاني، وكيف عقدت المؤتمرات والنقاشات وحلقات العمل في الرعايا والابرشيات والحركات الرسولية والجامعات الكاثوليكية، لإعداد مسوّدة اولية وورقة عمل، كانتا الاساس لجدول اعمال السينودس ومناقشاته، وقد امتدت هذه المرحلة ما يزيد على السنة، قبل ان ترسل الى الفاتيكان لدرسها من اختصاصيين، وتناقش خلال السينودس، لتخرج بعد 3 سنوات في صيغة “الارشاد الرسولي”.
هكذا يمكننا البدء منذ اليوم بأعمال الميثاق الاجتماعي الجديد، فيأتي معبّرا عن كل افكارنا وطموحاتنا، ويكون ثمرة اتفاقنا … او لا يكون.