Site icon IMLebanon

لم يحن موعد الحلول بعد…

 

تسارعت التطوّرات اللبنانية، ففيما كانت الانظار والقلوب مركّزة على عرسال ومصير العسكريين الأسرى، فاجأ الرئيس سعد الحريري الأوساط كافة بعودته بعد غياب طويل واكبه جدلٌ حول «الشروط» المطلوبة لتحقيق هذه العودة.

الواضح أنّ عودة الحريري سرّعت بها نتائج أحداث عرسال. فقد ظهر جلياً أنّ «الارض السنّية» تأثرت بالحروب المفتوحة في المنطقة وتصاعد التوتر المذهبي في لبنان بسبب حملات التعبئة الداخلية المفتوحة والخالية من ايّ ضوابط، والأهم الفراغ الحاصل على مستوى القيادة السياسية الناجم من غياب الحريري.

لكنّ هذه العودة والتي ستشكل مدخلاً ممتازاً لتحريك ملفات كثيرة، في طليعتها ملف الانتخابات الرئاسية، ما كانت لتتمّ لولا حصول توافق كبير حمَل في طياته ضمانات كافية. وبعبارة أوضح «تواصل ما» حصل بين السعودية و«حزب الله» شكّل مظلة واقية لهذه العودة.

في السابق خطَّط الفريق المحيط بالحريري لعودته مرّة لحظةَ سقوط الرئيس بشار الاسد ما يعطي هذه العودة أبعاداً واسعة لبنانياً وحتى سورياً، ومرة أُخرى قبيل حصول الانتخابات النيابية، ما يؤمّن للحريري دفعاً معنوياً هائلاً وعطفاً في صناديق الاقتراع طالما أنّ سقوط الاسد أصبح بعيد المنال.

إلّا أنّ العودة الآن، جاءت لتعكسَ مناخاً اقليمياً جديداً قد يتبلور قريباً ويستند الى قاعدة التفاهم الاقليمي الجاري التحضير له لمحاربة الإرهاب.

الاّ أنّ هذه المرحلة، وإن أظهرت كثيراً من الاشارات على اقترابها، فإنها لم تبدأ بعد وما تزال في طور الإعداد لها. وأوضح مثال على ذلك قصف الطائرات الاميركية مواقع تابعة لتنظيم «داعش» في العراق. للوهلة الاولى بدا وكأنّ التفاهم الاميركي – الايراني حول العراق قد أعطى الضوء الاخضر للبدء بالحملات الجوّية.

إلّا أنّ حقيقة الصورة مختلفة. فالقصف الجوّي الاميركي لم يكن مركَّزاً، بل جاء بلا فعالية وبإرادة واضحة وكأنّ المطلوب استعراضٌ جوّي اكثر منه قصف فعلي. وشبَّه أحد المراقبين ما حصل بقصف مدمّرة «نيوجرسي» عام 1983 في لبنان، حيث كانت الاهداف التلال والمناطق الخالية. والقصف الجديد الوحيد كان قرب أربيل لمنع «داعش» من الاقتراب من المنطقة الكردية.

ماذا يعني ذلك؟ الواضح أنّ واشنطن ما تزال تنتظر إزاحةَ نوري المالكي لتتحرّك جوّياً. صحيح أنه وصلها أنّ ايران بشخص مرشد الثورة وافقت على إزاحة المالكي، إلّا أنّ رئيس الوزراء العراقي ما يزال في موقعه وهو يرفض المغادرة لا بل يتوعد. في المقابل أثار «التطهير» الديني الذي نفّذه تنظيم «داعش» في الموصل الرأي العام الغربي عموماً، والاميركي خصوصاً، الى الحدذ الاقصى.

لذلك جاءت غارات الطائرات الاميركية غير الفعالة لتحاكي الداخل الاميركي وتهدّئ من روعه، وذلك في انتظار التحرّك الجدّي والذي سيستند الى التفاهم مع خليفة المالكي (إبراهيم الجعفري على الارجح) والتشكيلة الحكومية المقبلة وهو المطلب الذي أعلنته واشنطن في وضوح، أيْ ترجمة المناخات المتداوَلة الى افعال.

لكن في انتظار ذلك لم ينتبه كثيرون الى الجولة الاخيرة من المفاوضات الاميركية – الايرانية حول الملف النووي حيث بدا واضحاً حصول تقدّم أساسي ومهمّ، وهو ما نُقل عن أحد أعضاء الوفد الاميركي.

وعلى خطٍ موازٍ بدت واشنطن راضية، ولو بالحدّ الادنى، على سيناريو إغلاق ملف الحرب في غزة عبر احتضان مصر للاتفاق وتأمين مكان واسع للرئيس الفلسطيني محمود عباس ما يعيد إدخال السعودية الى معادلة غزة الى جانب تركيا وقطر وبالتأكيد ايران.

في هذا الوقت تركّز واشنطن على تأكيد سقوط رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، لا بل إنها ذاهبة الى الابعد من خلال حضّ النخب السياسية الإسرائيلية على إنجاز قانون انتخابات جديد لا يلحظ النسبيّة، ما سيمنع الائتلافات الحكومية وبالتالي إعطاء دور لليمين المتطرّف، واعتماد قانون يتيح الفوز للغالبيّة وتأمين تأليف حكومة من لون واحد، ما سيفتح الباب امام سياسة معتدلة بعيدة عن المزايدات وقابلة لانتاج اتفاق سلام مع الفلسطينيين.

أما في لبنان، فإنّ عودة الحريري التي تهدف اولاً الى استعادة «البساط» السُنّي وإغلاق الساحة في وجه المتطرّفين، من المفترض أن تُحضّر المناخ الداخلي لمواكبة الايجابيات الاقليمية عندما تحين ومواكبة المرحلة الاقليمية الجديدة بمرحلة داخلية مماثلة عبر مدخل انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

وهذه العودة والتي ستسلب كثيرين أدوارهم، خصوصاً في فريق «14 آذار»، ستدفع الى تنشيط الاتصالات الداخلية واحتواء تفجيرات ومخاطر امنية ما تزال قائمة عند حصولها، في انتظار اكتمال الظرف الاقليمي والذي سيدفع الى إنجاز تسوية سياسية داخلية تقوم على أساس ولادة الرئيس.

صحيح أنّ التواصل السعودي مع «حزب الله» حول تأمين عودة الحريري هو تطوّر مهمّ، لكنه يبقى غير كافٍ ويحتاج الى إنضاج الظروف الإقليمية في تقديراتٍ تشير الى نهاية شهر ايلول المقبل وليس قبل ذلك. وفي انتظار هذا الموعد لا بدّ من التحسّب للمخاطر الامنية والتي سيسعى اليها المتضرّرون، وعلى رأسهم التنظيمات المتطرّفة.