Site icon IMLebanon

لهذه الأسباب حزب الله «غير مُهتم» بعودة الحريري

من المبكر حسم «نهائية» عودة الرئيس الاسبق للحكومة سعد الحريري الى لبنان من عدمها، فهو اليوم في بيروت في مهمة سعودية لن يغادر قبل الانتهاء من اتمامها، عند التعثر ستعود الظروف الامنية الى الواجهة لتبرير المغادرة مجددا، وفي حال النجاح ستستمر الاقامة الى حين الانتهاء من استثمار نتائج تلك المهمة. وبحسب اوساط رفيعة في قوى 8آذار فان «تغليف» عودة الحريري برداء وطني لبناني «مزحة» لا يمكن ان تنطلي على أحد، وهي بدأت بسلسلة من الاخطاء تجاه المقربين قبل الخصوم، واكبر دليل على ذلك ان طريقته «الاستعلائية» في الولوج الى الواقع اللبناني ، اثارت حفيظة رئيس الحكومة تمام سلام، بعد ان «عرته» «المكرمة» السعودية وابرزت دوره كـ«وكيل» في السرايا الحكومية يدير «تركة» الحريري حتى يعود، ولم يراع رئيس تيار المستقبل اي اعتبار لهذه المسألة «الاخلاقية» تجاه سلام، الذي ابدى انزعاجه الشديد للمقربين منه لان رئيس تيار المستقبل يتصرف كانه الرئيس الفعلي للحكومة دون اي حد ادنى من المراعاة لشخصه. لكن لماذا عاد الحريري؟ وما هي مهمته؟ وما حدود تاثيرها على الحياة السياسة اللبنانية؟

لا تبدو تلك الاوساط متفائلة بهذا الحضور «الجسدي» للحريري، فعودته الى بيروت لن تكون «مفيدة» ومؤثرة الا اذا نجح في بناء جسور التفاهم مع حزب الله، فهل يمتلك رئيس تيار المستقبل على خطوة من هذا الحجم تريح الساحة اللبنانية – لا يبدو الامر كذلك ولا توجد مؤشرات تدل على توجه مماثل، ووفقا للوقائع لا تبدو الظروف الاقليمية مهيئة بعد لخطوة مماثلة، ولا تزال حدود التفاهمات تقف عند الحفاظ على الحدود الدنيا التي تحافظ على الاستقرار الحالي تحت مظلة حكومة «المصلحة الوطنية» ولا يحمل الحريري اي مبادرة جديدة تسمح بفتح الابواب السياسية شبه المغلقة والمحصورة بحوار «بالقطعة» بين وزراء ونواب الطرفين، فيما التنسيق الامني مستمر وفقا للقواعد السابقة التي تم اسماؤها مع دخول الوزير نهاد المشنوق الى وزارة الداخلية.

ومن هنا، تجزم تلك الاوساط، ان حزب الله لن يبادر الى زيارة الحريري او الاتصال به بعد عودته، فتطور العلاقة معه لا تحكمه الجغرافيا، وانما السياسات، فوجوده في لبنان سيبقى مثل عدمه طالما انه ما يزال يحمل الافكار نفسها ويردد في الداخل ما كان يقوله في الخارج، وما لم يحمل تغييرا استراتيجيا ونوعيا في معالجته للامور الوطنية، فليست واردة مجاراته في حفلة «الفلكلور» الجارية على قدم وساق، فهو غادر برغبته نتيجة ظروف شخصية وحسابات سعودية وعاد الى البلاد للاسباب نفسها، وعودته لا تندرج في سياق اي صفقات سياسية او تفاهمات اقليمية او دولية، واذا كان الحريري جاداً في استثمار عودته في امور جادة على المستوى الوطني مهمة عليه المبادرة بنفسه تجاه الحزب بعد اجراء مراجعة جدية لكل الاخطاء الاستراتيجية التي ارتكبها وادت الى هذا الانقسام الوطني والمذهبي غير المسبوق، وهذا الامر غير متوافر الان بسبب تمسك السعودية برؤيتها لطبيعة التطورات في المنطقة وعدم رغبتها بفتح قنوات اتصال جدية مع طهران لمعالجة الملفات العالقة في المنطقة، وخصوصا الازمة في سوريا. ولهذا السبب لن يتمكن الحريري من تحقيق اختراق نوعي في هذا السياق لانه لا يملك قراره. ولذلك اذا كان ينتظر ان يبادر حزب الله الى التغيير فهو سينتظر كثيرا.

هذا في البعد الاستراتيجي والفراق حول الخيارات الوطنية، اما في الاستحقاقات الداخلية، فالحريري نفسه اوحى في جلساته مع عدد من السياسيين والاعلاميين «المقربين» انه «مكلف» بمهمة محصورة بتسييل «المكرمة» السعودية وتسهيل صرفها دون ان يكون لديه اي اجابات واضحة حول التسويات المفترضة للامور العالقة على الساحة اللبنانية، لانه وبصراحة مطلقة أقر ان لا تغييرات جذرية على مستوى المنطقة، وخصوصا العلاقات الايرانية السعودية، تسمح بحلحلة العقد الموجودة وفي مقدمها الاستحقاق الرئاسي. وقد فهم هؤلاء من الحريري ان هذا الملف قد يكون قابلاً للاخذ والرد في حال واحدة تتمثل بقبول الجنرال ميشال عون التنازل عن ترشيحه، عندها يعود الملف الى بعده المحلي ويمكن حينها البدء بعملية التفاوض على مرشح التسوية، اما بقاء فريق الثامن من آذار، وخصوصا حزب الله، على موقفه الداعم لترشيح عون فيبقي الاستحقاق في اطار التجاذبات الاقليمية والدولية، والقرار بهذا الشأن يتجاوز قدرته على الحسم، فالدخول بتسوية مماثلة يحتاج الى توافق من «فوق» ولا قدرة لدى الحريري على تسويقها او الشروع بالتفاوض حولها دون ضوء« اخضر» سعودي ليس متوافرا حتى الان. اذاً لماذا عاد الحريري؟

قبل أيام ذكّرت صحيفة «الاندبندنت» البريطانية بمسألة شديدة الاهمية تتعلق بموجة «تبشير» دينية قامت بها المملكة العربية السعودية في تسعينيات القرن الماضي لنشر الفكر الوهابي في منطقة البلقان لمواجهة الفكر السني الصوفي، حينها دفعت السعودية اموالا طائلة، وتسبب ذلك بانتشار نزعات متطرفة دفعت اثمانها المجتمعات الاوروبية المسلمة، والعالم الاسلامي، تعيد المملكة اليوم نفض الغبار عن تلك الخطط مع زيادة في توسيع المهمات لتشمل مواجهة «النهج التكفيري» الذي خرج في بعض الساحات عن السيطرة، وكذلك مواجهة المد الايراني في المنطقة، من هنا يمكن فهم «المكرمة» السعودية للجيش والقوى الامنية اللبنانية، ويمكن ايضا فهم هذا التعويم لزعامة الرئيس الحريري ضمن الشارع السني في لبنان.

فبعد ان كان الرئيس الحريري مكلفا بلعب دور مركزي في اسقاط النظام السوري وتهيئة الارضية للنظام البديل، كلف اليوم وبحسب الاوساط نفسها بلملمة اثار الفشل والتقليل من خسائره، بعد ان لحق به حزب الله الى سوريا واجهض له كامل مشروعه هناك، واليوم يعود الى لبنان لمحاولة ترتيب بيته الداخلي المتصدع بعد ان اصبح له شركاء ومنافسون على الساحة السنية، لا يضاهون شعبية تيار المستقبل، ولكنهم اكثر تاثيرا على الارض، وقد ظهر ذلك مؤخرا في عرسال من خلال الدور الرئيسي الذي قام به تجمع العلماء المسلمين الذي سحب البساط من تحت قيادات المستقبل ، وهو امر قد يتكرر في اي ازمة مقبلة في طرابلس او عكار.

وتلفت تلك الاوساط، الى ان الاموال التي يحملها الحريري معه عبر «المكرمة» السعودية، تهدف بالدرجة الاولى لتقوية الجيش على امل «تهميش» دور حزب الله في المعادلة الامنية، وهو استثمار على المدى المتوسط والبعيد، لكن على هامش تلك «المكرمة» ثمة مبالغ رصدت لاعادة تعويم تيار المستقبل في الشارع السني، ولكن تبقى الاسئلة دون اجوبة حول قدرته على اصلاح ما انكسر، خصوصا ان «التيارات التكفيرية» المنافسة باتت تملك من الاموال ما يوازي تلك الاموال المصروفة، ومن تسرب من جمهور تيار المستقبل لن يعود الى «حضن» الحريري لانه لا يرى فيه القائد الملهم او المخلص في مواجهة التحديات «المصيرية» التي اقنع هو جمهوره بوجودها، وهنا سيضطر الى الابقاء على تزخيم الخطاب التحريضي كعامل جذب، وهذا يحمل مخاطر جمة على الاستقرار الداخلي الهش، او انه سيضطر الى تغيير خطابه وهذا يعني حكما خسارة هؤلاء الى الابد، في ظل «الحريق» المذهبي المندلع في المنطقة، وهذا ما يضع الحريري امام خيارات صعبة وغير مضمونة. وتبقى ثابتة وحيدة لا تُخفى على اي مراقب جاد وموضوعي لطبيعة الساحة اللبنانية وهي ان الاموال السعودية تهدر اليوم دون طائل لان الرهان على «دق» «اسفين» بين حزب الله والمؤسسة العسكرية مجرد وهم لن يتحول الى حقيقة.