يطغى الهاجس الامني بثقله هذه الايام ،على ما عداه من ملفات ، ما يظهر جلياً من خلال حال الطوارئ غير المعلنة التي تعيشها البلاد والتدابير الاستثنائية حول المقرات والمؤسسات والامكنة التي يشتبه انها على لائحة «بنك اهداف» الخلايا الارهابية، ما رفع من وتيرة «الامن الاستباقي » للاجهزة اللبنانية التي اجرت تقويماً دوريا لحصيلة عملها في اجتماع عقد في السرايا الحكومية برئاسة رئيس الحكومة تمام سلام وحضور وزيري الداخلية نهاد المشنوق والدفاع سمير مقبل.
في هذا الاطار أبدت اوساط وزارية شاركت في اجتماع السراي خشيتها من ان تكون البلاد امام فصل جديد من العمليات الإرهابية وسط الخشية من وجود مخطط لاتباع نمط عمليات محدودة ولكن مركزة وكثيفة ومتنقلة، وهو الامر الذي وضعته الجهات الأمنية والحكومية في حساباتها ،معربة عن اعتقادها ان الأجهزة والقوى الامنية والعسكرية أظهرت قدرة واسعة في المجال الاستباقي للعمليات الارهابية عبر توقيف رؤوس كبيرة في تنظيمات إرهابية، ولكن ذلك لا يحجب خطورة التحديات الجديدة التي ظهرت في اعتماد الإرهابيين وسائل مختلفة بما يجعل ساحة المواجهة مفتوحة على مزيد من المفاجآت والتفجيرات الإضافية.
واشارت المصادر الى ان الاستنفار الأمني والعسكري وصل الى ذروته ، بالتزامن مع طلب الجهات الأمنية المختصة من عدد كبير من المسؤولين والوزراء والقادة المعنيين في الأجهزة اتخاذ كل وسائل الحيطة والحماية والامتناع عن التنقل الا في الحالات الطارئة نظراً الى ارتفاع خطر الاستهدافات الإرهابية،موضحة ان هذا المناخ الملبد فاقم الخشية من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للوضع الأمني وخصوصا بعدما أملت الحكومة بإمكان احتواء الانعكاسات التي تركتها التوقيفات الواسعة والتحذيرات التي وجهتها دول خليجية مثل الإمارات العربية المتحدة ودول غربية الى رعاياها لتجنب السفر الى لبنان.
استنادا الى ذلك حذرت مصادر امنية من عودة مسلسل الاغتيالات، في اطار مخطط يشمل تصفية نواب ومسؤولين حاليين وسابقين ،بهدف خلط الاوراق وارباك الساحة السياسية، والافادة من اجواء الارباك الامني التي تعيشها البلاد هذه الايام في ضوء العمليات التي تنفذها لوجود مخطط لدى جهات اقليمية ومحلية، للاستفادة من الاجواء الامنية الضاغطة والمتوترة، من خلال عودة مسلسل الاغتيالات لتحقيق اهداف سياسية، كاشفة عن استماع احد الاجهزة الامنية لافادة رجل اعمال عربي على خلفية معطيات ابلغها لشخصية سياسية تضمنت معلومات مفصلة بالاسماء والاماكن عن عمليات اغتيال يعتزم تنفيذها، ما دفع بالمعنيين الى ابلاغ شخصيات في فريقي الثامن والرابع عشر من آذار الى ضرورة أخذ الحيطة والحذر في تنقلاتها،لأنها قد تكون في دائرة الاستهداف، بهدف إشعال فتنة بين اللبنانيين وإغراق البلد في المزيد من الفوضى، الأمر الذي دفع هذه الشخصيات إلى التقليل من تحركاتها إلا في حالات الضرورة القصوى.
وفيما الجهود منصبة على ارساء الاستقرار الامني عبر الخطط الامنية المنفذة منها وتلك التي في طور التنفيذ،بحسب وزير الدفاع، بعد مجموعة التفجيرات الانتحارية، نتيجة عدم التزام بعض الافرقاء سياسة النأي بالنفس عن ازمات دول الجوار، تبدو المواجهة انتقلت الى حرب الكترونية توسع مدارها ليطاول المسيحيين مع بيان ما يسمى بـ «لواء احرار السنة – بعلبك» الذي اكد عزمه على تطهير البقاع ولبنان من كنائس «الشرك». تهديد ادرجته المصادر الامنية في سياق التهويل، علما ان مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية بدأ بتعقب البيانات الالكترونية الصادرة عمن ينسبون الى انفسهم صفة التنظيمات الارهابية لكشف هوية محركي ومشغلي الحسابات الالكترونية المتطرفة على مواقع التواصل الالكتروني ومن يقف خلفهم، خاصة ان تلك المجموعة لم يرد ذكرها في اي من الملفات الامنية او التحقيقات، مؤكدة ان لا خوف من ضرب الاستقرار الداخلي او جر لبنان الى أتون الصراعات المذهبية، ذلك ان مقومات اشتعال الفتنة غير متوافرة ما دامت المكونات السياسية ملتزمة التفاهم على ضرورة استقرار الساحة اللبنانية، وان اي تفجير عبوة من هنا او سيارة هناك او تنفيذ عمليات انتحارية تبقى كلها اعمالاً موضعية لن تلقى اصداء لتحولها الى مشروع فتنة او حرب، متوقعة ان تكون هذه البيانات تهويلية تقف خلفها اجهزة استخبارات تهدف الى ضرب الاستقرار في لبنان لاهداف تخدم مصالح دولها.
– على خط امني آخر افادت مصادر مطلعة ان المداهمات التي قامت بها مديرية المخابرات في مثلث الطريق الجديدة – الكولا- الجامعة العربية، جاءت على خلفية توافر معلومات عن تواجد شخصين احدهما سعودي وامراة شغلا الغرفة رقم 600 في فندق «دي روي» وغادراها اثناء مداهمة الامن العام وعقب تفجير الانتحاري نفسه في غرفته، بحسب ما اثبتت التحقيقات مع موظفي الفندق، ما ادى الى توقيف المراة التي تحمل الجنسية الاردنية وتعمل طبيبة اسنان مقيمة في لبنان تعيش برفقة رجل سعودي منذ فترة ستة اشهر في شقة استاجرتها في شارع عفيف الطيبي، حيث ابلغت جيرانها بانه اخوها.
رغم الاطمئنان الذي تبديه السلطات اللبنانية التي تتحدث عن ان لا بيئة حاضنة للجماعات الارهابية في لبنان، وان الوضع الامني ممسوك، فان حركة مطار رفيق الحريري الدولي ابرزت ان المغادرين اكثر من الوافدين، بعكس ما كان عليه الوضع عشية عودة مسلسل التفجيرات الى لبنان قبل نحو ثلاثة اسابيع. فمن يجول في بيروت والمناطق يكتشف حجم المواجهة المفتوحة بين الخلايا الارهابية النائمة، المستيقظة على وهج الاحداث العراقية والسورية، والاجهزة الامنية اللبنانية التي بدت في حال استنفار قصوى،من اجراءات حول مقر «الداخلية» في الصنائع، مرورا بعزل مقر قوى الامن الداخلي في الاشرفية والتدابير المشددة حول مقر الامن العام في المتحف، والسياج الامني حول سجن رومية المركزي، وصولا الى التشدد الظاهر في المناطق التي تعد معاقل لحزب الله.